باقيه ذخيرة. وقد تقدمت أبياته في البنيان مما أنشده الشقندي والحجاري ، وله حكايات دينية ودنياوية ، فأملح ما وقفت عليه من حكاياته الدينية ما حكاه الحجاري ؛ من أنه حضر يوم جمعة في جامع الزهراء فلما خطب منذر بن سعيد قال في خطبته : (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ) [الشعراء : ١٢٨] ، فتحرّك الناس لذلك ، وعلم الناصر أنه عرّض به ، فلما فرغ قال لابنه المستنصر فيما جرى عليه منه ، ثم قال : لكن عليّ الله يمين ألّا أصلّي خلفه ما عشت فلما جاءت الجمعة الثانية قال لابنه : كيف نصنع في اليمين؟ قال يؤمر بالتأخّر ، ويستخلف غيره ، فاغتاظ الناصر وقال : أبمثل هذا الرأي الفائل تشير عليّ؟! والله لقد ندمت على ما فرط مني في اليمين ، وإني لأستحي أن أجعل بيني وبين الله غير منذر ، ثم رأى أن يصلّي في جامع قرطبة فواصل ذلك بقية مدته. وكان له جلساء ووزراء عظماء يأتي منهم تراجم بعد هذا. وأعظم من استعان به في الحروب ابن عمه سعيد بن المنذر بن معاوية بن أبان بن يحيى بن عبيد الله بن معاوية بن هشام بن عبد الملك ، وهو الذي تولّى حرب ابن حفصون كبير المنافقين ، وافتتح قلعته. وكان ممدّحا ، جوادا سعيد الحياة ، فقيد الممات ، وحضر ليلة عنده وزيره ومولاه أبو عثمان بن إدريس ، فغنّت جارية :
أحبّكم ما عشت في القرب والنّوى |
|
وأذكركم في حالة الوصل والصّدّ |
على أنكم لا تشتهون زيارتي |
|
قريبا ولا ذكراي في فترة البعد |
واستجاز وزيره ، فقال : الابتداء لأمير المؤمنين ، فقال :
وأنتم جعلتم مهجتي مسكن الجوى |
|
وأنتم جعلتم مقلتي مسكن السّهد |
ثم قال الوزير :
ومالي عنكم أو عدلتم |
|
على كل حال فاعلموا ذاك من بدّ |
وكانت علامة سكره وأمر ندماته القيام أن يميل برأسه إلى حجره ، وربما أنشد :
ما زلت أشربها واللّيل معتكر |
|
حتى أكبّ الكرى رأسي على قدحي |
وكان على حسن خلقه وحلمه ربما حدثت له على المنادمة وسوسة كدّرت ما يعتاد منه.
ولما كثرت قطع المنادمة ، ثم تزهّد. ومن قبيح ما يؤثر عنه حكايته مع الجارية التي كانت عنده بمنزلة حبابة (١) من يزيد : سكر ليلة ، فأكثر من تقبيلها ، فأكثرت الضجر والترم ، وقبضت وجهها ، فأمر ألّا يزال وجهها يلثم بألسنة الشّمع ، وهي تستغيث ، فلا يرحمها ، حتى هلكت.
__________________
(١) انظر ترجمتها في الأغاني (ج ١٣).