الحكايات
قد تقدم في نهر إشبيلية ومتنزهها من النوارد المضحكات ما فيه كفاية ، وهو ميدان لهوهم ومضحكاتهم وتنديرهم ، قال الحجاري في كتاب المسهب : أهل إشبيلية أكثر العالم طنزا وتهكّما ، قد طبعوا على ذلك. وكان المعتمد ابن عبّاد كثيرا ما يتستّر ، ويشاركهم في واديهم وفي مظان مجتمعاتهم ، ويمازجهم ، ويصقل صدأ خاطره بما يصدر عنهم. ومرّ المعتمد (١) ليلة بباب شيخ منهم مشهور بكثرة التندير والتهكم يمزج ذلك بحرد يضحك الثّكلى ، فقال المعتمد لوزيره ابن عمّار : تعالى نضرب على هذا الشيخ الساقط الباب ، حتى نضحك معه ، فضربا عليه بابه ، فقال : من هو؟ فقال ابن عباد : إنسان يرغب أن تقد له هذه الفتيلة ، فقال : والله لو ضرب ابن عبّاد بابي في هذا الوقت ما فتحته ، قال : فإني ابن عبّاد ، قال : مصفوع ألف صفعة ، فضحك ابن عبّاد حتى سقط إلى الأرض ، وقال لوزيره : امض بنا قبل أن يتعدّى [الصفع من](٢) القول إلى الفعل ، فهذا شيخ ركيك. ولما كان من غد تلك الليلة وجّه له ألف درهم ، وقال لموصّلها يقول له : هذا حقّ الألف صفعة متاع البارحة.
__________________
(١) وردت هذه الحكاية في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٢٦٩ / ٢٧٠).
(٢) هذه الزيادة عن النفح يقتضيها السياق.