معترض. وكان شهما ، صارما ، وكلّ من ذكرنا من أجداده فليس منهم من تسمى بإمرة المؤمنين ، ولم يتعدّوا في الخطبة الإمارة. وجرى على ذلك عبد الرحمن إلى آخر السنة السابعة عشرة من ولايته ، فلما بلغه ضعف الخلافة في العراق أيام المقتدر وظهور الشيعة بالقيروان (١) تسمّى بأمير المؤمنين وتلقّب بالناصر (٢) ولم يزل منذ ولي يستنزل المتغلّبين حتى استكمل إنزال جميعهم في خمس وعشرين سنة من ولايته ، وصار جميع أقطار الأندلس في طاعته.
ومن المسهب : إنما تسمى بأمير المؤمنين حين بلغه أن المقتدر خطب له بالخلافة وهو دون البلوغ. ولما قتل المطرف بن عبد الله أخاه محمد بن عبد الله ، قتله به أبوه ، وقد قيل إن أباهما قتل الاثنين. وخلا الجو لعبد الرحمن ، وملك قلب جدّه بحسن خدمته ، وكل ما يعلم أنه يوافق غرضه ، فتقدّم بعد حده في مستهل ربيع الأول سنة ثلاثمائة ، فقال ابن عبد ربّه صاحب العقد :
بدا الهلال جديدا |
|
والملك غضّ جديد |
يا نعمة الله زيدي |
|
إن كان فيك مزيد |
وصرّف من الآراء والحيل في الثوار الذين اضطرمت بهم الأندلس ما يطول ذكره ، حتى صفت له الجزيرة.
قال : وأعانه على ذلك المعرفة باصطفاء الرجال واستمالة أهوائهم بالمواعيد وبذل الأموال مع طول المدة وهبوب ريح السعادة ، وقد شبهوه بالمعتضد العباسي في تلافي الدولة ، وكان يده في استنزال العضاة القائد أبا العباس ابن أبي عبده ، وبقي في السّلطنة خمسين سنة وستة أشهر وثلاثة أيام.
قال ابن غالب (٣) : وجد بخطّه : أيام السرور التي صفت له في هذه المدة الطويلة يوم كذا ويوم كذا ، فكانت أربعة عشر يوما. وكانت وفاته ليلة الأربعاء لليلتين خلتا من رمضان سنة خمسين وثلاثمائة. وكان مشغوفا بتضخيم البنيان والسّلطنة والجند. وقسّم أموال جبايته على ثلاثة : قسم للجند والحروب ، وقسم للبنيان ، وقسم ينفق منه في غير هذين من المصالح ، ويخزن
__________________
(١) القيروان : مدينة في تونس. أنشأها عقبة بن نافع سنة ٦٧٠ ه ، عاصمة الأغالبة والفاطميين إلى جانب المهدية ، شهيرة بمسجدها. المنجد في اللغة والأعلام (ج ٢ / ص ٥٥٩).
(٢) هو عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد ، المعروف بالناصر لدين الله ، وقد حكم الأندلس خمسين سنة «٣٠٠ ـ ٣٥٠ ه» الحلة السيراء (ج ١ / ص ١٩٧) والبيان المغرب (ج ٢ / ص ١٥٦) ونفح الطيب (ج ١ / ص ٣٣٩).
(٣) هو أبو عبد الله محمد بن غالب البلنسي الكاتب الوزير المتوفى سنة ٧٦٧ ه. وله كتاب : «فرحة الأنفس في فضلاء العمى من أهل الأندلس كشف الظنون (ج ٤ / ص ١٨٦).