أمّا الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم فقد اطّلع على إفشاء هذا السرّ عن طريق الوحي ، وذكر بعضه «لحفصة» ومن أجل عدم إحراجها كثيرا لم يذكر لها القسم الثاني (ولعلّ القسم الأوّل يتعلّق بأصل شرب العسل ، والثاني هو تحريم العسل على نفسه).
وعلى كلّ فإنّه : (فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ).
ويتّضح من مجموع هذه الآيات أنّ بعض زوجات الرّسول لم يكتفين بإيذاء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بكلامهنّ ، بل لا يحفظن سرّه ، وحفظ السرّ من أهمّ صفات الزوجة الصالحة الوفيّة لزوجها ، وكان تعامل الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم معهنّ على العكس من ذلك تماما إلى الحدّ الذي لم يذكر لها السرّ الذي أفشته كاملا لكي لا يحرجها أكثر ، واكتفى بالإشارة إلى جزء منه.
ولهذا جاء في الحديث عن الإمام علي عليهالسلام : «ما استقصى كريم قطّ ، لأنّ الله يقول : (عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ) (١).
ثمّ يتحدّث القرآن مع زوجتي الرّسول اللتين كانتا وراء هذا الحادث بقوله : (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما).
وقد اتّفق المفسّرون الشيعة والسنّة على أنّ تلك الزوجتين هما «حفصة بنت عمر» و «عائشة بنت أبي بكر».
«صغت» من مادّة «صغو» على وزن «عفو» بمعنى الميل إلى شيء ما ، لذلك يقال «صغت النجوم» «أي مالت النجوم إلى الغروب» ولهذا جاء اصطلاح «إصغاء» بمعنى الاستماع إلى حديث شخص آخر. والمقصود من «صغت قلوبكما» أي مالت من الحقّ إلى الباطل وارتكاب الذنب (٢).
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج ١٩ ، ص ٣٩٢.
(٢) طبقا للتفسير الذي ذكرناه والذي اختاره أكثر المفسّرين فإنّ هناك شيئا محذوفا في الآية تقديره «إن تتوبا إلى الله كان خير لكما» أو تقدير آخر مشابه ، ولكن احتمل بعض آخر أنّه ليس هناك محذوف في الآية وجملة (صغت قلوبكما) جزاء الشرط (بشرط أن يكون الميل إلى الحقّ وليس العكس).