ويأتي خطرهم ثالثا من ارتباطاتهم مع سائر عناصر المجتمع بعلاقات بحيث تصعب مكافحتهم.
ولهذا نرى أنّ أكثر الضربات التي تلقّاها الإسلام على مدى التاريخ جاءته من هذا المعسكر ـ أي معسكر النفاق. ولهذا ـ أيضا ـ نلاحظ أنّ الإسلام شنّ حملات شديدة جدّا عليهم ، ووجّه إليهم ضربات عنيفة لم يوجّهها إلى غيرهم.
وبعد هذه المقدّمة نرجع إلى تفسير الآيات.
إنّ أوّل صفة يذكرها القرآن للمنافقين هي : إظهار الإيمان الكاذب الذي يشكّل الظاهرة العامّة للنفاق ، حيث يقول تعالى : (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ) (١) ويضيف (وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ).
وهذه أوّل علامة من علامات المنافقين ، حيث اختلاف الظاهر مع الباطن ، ففي الوقت الذي يظهر المنافقون الإيمان ويدعونه بألسنتهم ، نرى قلوبهم قد خلت من الإيمان تماما. وهذه الظاهرة تشكّل المحور الرئيسي للنفاق.
وممّا تجدر الإشارة إليه أنّ الصدق والكذب على نوعين : «صدق وكذب خبري» و «صدق وكذب مخبري» ، يكون المعيار والمقياس في القسم الأوّل هو موافقته وعدم موافقته للواقع ، بينما يكون المقياس في القسم الثاني هو موافقته وعدم موافقته للاعتقاد ، فإذا جاء الإنسان بخبر مطابق للواقع ولكنّه غير مطابق لاعتقاده ، فهذا من الكذب المخبري ، وفي حالة مطابقته لعقيدته فهو صادق.
وبناء على هذا فإنّ شهادة المنافقين على رسالة الرّسول ليست من قبيل الكذب الخبري لأنّها مطابقة للواقع ، ولكنّها من نوع الكذب المخبري إذ تخالف إعتقاد المنافقين. لذلك جاء التعبير القرآني : (وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ).
__________________
(١) ذكرت «إنّ» هنا مكسورة ، لأنّ لأن لام التأكيد قد جاءت في بداية الخبر ، وفي هذه الصورة يقدّم التقدير.