وجود الوسائل والإمكانات المالية ، ومن هنا فإنّنا نلاحظ أنّ البعض قادر على الجهاد بكلا النوعين (النفس والمال) وآخرين قادرون على الجهاد بالمال فقط وفي المواقع الخلفية للجبهة ، وبعض آخر مستعدّ للجهاد بالنفس والجود بها في سبيل الله لأنّهم لا يملكون سواها.
إلّا أنّ الضرورة تستلزم أن يكون هذان النوعان من الجهاد توأمين متلازمين كلّ منهما مع الآخر لتحقيق النصر ، وعند التدقيق في الآية المباركة نلاحظ أنّ تعالى قد قدّم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس ، لا باعتباره أكثر أهميّة ، بل بلحاظ أنّه مقدّمة للجهاد بالنفس ، لأنّ مستلزمات الجهاد لا تتهيّأ إلّا عند توفّر الإمكانات الماديّة.
لقد تمّ تسليط الأضواء على ثلاثة عناصر أساسية في هذه التجارة العظيمة والتي لا مثيل لها.
(فالمشتري) هنا هو الله سبحانه ، و (البائع) هم المؤمنون ، و (البضاعة) هي الأنفس والأموال. ويأتي دور العنصر الرابع في هذه الصفقة وهو الثمن والعوض لهذه المعاملة العظيمة.
يقول تعالى : (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (١).
وتستعرض الآية مرحلة الجزاء الاخروي في البداية حيث غفران الذنوب باعتبارها أهمّ عوامل القلق وعدم الراحة الفكرية والنفسية للإنسان ، وعند ما يتحقّق الغفران له فمن المسلّم أنّ الراحة والهدوء والاطمئنان تنشر ظلالها عليه.
ومن هنا نلاحظ أنّ أوّل هدية يتحف الله سبحانه بها عباده الذين استشهدوا
__________________
(١) جملة (يغفر لكم) هي بمنزلة (جزاء) لشرط محذوف مستفاد من الآية السابقة وفي التقدير هكذا : وإن تؤمنوا بالله ورسوله وتجاهدوا في سبيله .. يغفر لكم ذنوبكم ...) كما يحتمل ـ أيضا ـ أنّ الجملة جواب (الأمر) ذلك الأمر مستفاد من الجملة الخبرية (تؤمنون) و (تجاهدون).