باستعمال المقدّمات التي تهيء الأرضية المناسبة لمثل هذا الأمر.
وعلى كلّ حال فإنّ مفهوم الآيتين يبيّن عدم إمكانية تحقيق هذا الأمر من قبل أعداء الإسلام ، سواء هيّئوا الأرضية المناسبة لإطفاء النور الإلهي أو لم يهيّئوا.
ويتوضّح التأكيد الأكثر في آخر آية ـ مورد البحث ـ حيث يعلن القرآن الكريم ذلك صراحة بقوله عزوجل : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).
إنّ التعبير بـ (أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِ) بمنزلة بيان الرمز لغلبة الإسلام وانتصاره ، لأنّ طبيعة «الهداية» و (دين الحقّ) تنطوي على هذا الإنتصار ، ذلك أنّ الإسلام والقرآن هما النور الإلهي الذي تظهر آثاره أينما حلّ. وكراهية الكفّار والمشركين لن تستطيع أن تغيّر من هذه الحقيقة شيئا ، ولا تقف في طريق مسيرته العظيمة.
ومن الظريف أيضا أنّنا نلاحظ أنّ هذه الآية قد وردت في القرآن الكريم ثلاث مرّات بتفاوت يسير :
الاولى : كانت في سورة التوبة الآية (٣٣).
والثانية : في سورة الفتح الآية (٣٨).
والأخيرة : في هذه السورة «الصفّ».
ويجب ألّا ننسى أنّ هذا التأكيد والتكرار جاء في وقت لم يكن الإسلام قد ثبت واستقرّ في الجزيرة العربية بعد ، فكيف بنا مع هذه الآيات وقد وصل الإسلام إلى نقاط عديدة في العالم وشمل أصقاعا مختلفة؟
وبذلك أثبتت أحداث المستقبل صدق هذا التنبؤ العظيم ، وغلبة الإسلام من الناحية المنطقية على كافّة المذاهب الاخرى وقد حقّق خطوات عظيمة في طريق التقدّم على الأعداء ، واكتسح مناطق واسعة من العالم ، وهو الآن في تقدّم مستمر ، وقوّة يخشى منها عالميّا.