الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ).
وهكذا تنزل بمثل هذا الإنسان أعظم الدواهي ، حيث يحرم من الهداية الإلهية وينحرف قلبه عن الحقّ (١).
إنّ ما يستفاد من المفهوم الذي استعرضته الآية المباركة أنّ الهداية والضلالة وإن كانت من قبل الله سبحانه ، إلّا أنّ مقوّماتها وأرضيتها تكون من الإنسان نفسه ، حيث يقول سبحانه : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) وذلك ما يوضّح أنّ الخطوة الاولى من الإنسان نفسه ، ويقول سبحانه من جهة اخرى : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ).
فإذا صدر من الإنسان ذنب ومعصية فقد يسلب منه التوفيق والهداية الإلهية وعندئذ يصاب بالحرمان الأكبر.
وقد بحثنا مفصّلا في هذا المجال في تفسير الآية (٣٦) من سورة الزمر ، (فراجع).
وتشير الآية اللاحقة إلى مسألة تكذيب بني إسرائيل لرسالة عيسى عليهالسلام ومخالفتهم له ، حيث يضيف تعالى : (وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ).
وهذا بيان من عيسى عليهالسلام أنّه يمثّل همزة وصل وحلقة من الرسالة بين نبيين وكتابين وامّتين ، فقد سبقته رسالة موسى عليهالسلام وكتابه ، وستليه رسالة الإسلام على يد النبي العظيم محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ومن هنا نلاحظ أنّ عيسى عليهالسلام لم يكن يدّعي غير الرسالة الإلهية وفي مقطع زمني خاصّ ، وأنّ ما نسب إليه من الألوهية ، أو أنّه ابن (لله) كان كذبا وافتراء
__________________
(١) «زاغوا» : من مادّة (زيغ) بمعنى الانحراف عن الطريق المستقيم.