وخلاصة القول أنّ إبراهيم عليهالسلام وأصحابه كانوا من أشدّ المخالفين والمحاربين للشرك ، ولا بدّ لنا من الاقتداء بهم وأخذ الدروس والعبر من سيرتهم ، بما في ذلك ما يتعلّق بموقفه من «آزر» إذا توفّرت لنا نفس الشروط والخصوصيات .. (١).
وبما أنّ محاربة أعداء الله ، والصرامة والشدّة معهم ـ خصوصا مع تمتّعهم بقدرة ظاهرية ـ سوف لن تكون فاعلة إلّا بالتوكّل على الله تبارك وتعالى ، يضيف سبحانه في نهاية الآية : (رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ).
ونلاحظ ثلاثة امور في هذه العبارة :
الأمر الأوّل : هو التوكّل ، الثاني هو : التوبة والإنابة ، الثالث : التأكيد على حقيقة الرجوع النهائي في كلّ شيء إليه سبحانه ، حيث أنّ كلّ أمر من هذه الأمور يكون علّة وبنفس الوقت معلولا للآخر ، فالإيمان بالمعاد والرجوع النهائي إليه سبحانه يوجب التوبة ، والتوبة تحيي روح التوكّل في النفس الإنسانية (٢).
وفي الآية اللاحقة يشير القرآن الكريم إلى طلب آخر مهمّ وحسّاس لإبراهيم عليهالسلام وأصحابه في هذا المجال ، حيث يقول تعالى : (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا).
من المحتمل أن يكون ما ورد في الآية إشارة إلى عمل «حاطب بن أبي بلتعة» واحتمال صدور شبيهه من أشخاص جهلة يكونون سببا في تقوية الظالمين ، من حيث لا يشعرون ، بل يتصوّرون أنّهم يعملون لمصلحة الإسلام ، أو إنّ المراد في الحقيقة دعاء بأنّه لا تجعلنا نقع في قبضة الكافرين فيقولوا : أنّ هؤلاء لو كانوا على الحقّ ما غلبوا ، ويؤدّي هذا التوهّم إلى ضلالهم أكثر.
__________________
(١) يتّضح لنا ممّا تقدّم أنّ الاستثناء هنا متّصل ، والمستثنى منه جملة محذوفة يدلّ عليها صدر الآية ، وتقديرها : إنّ إبراهيم وقومه تبرّأوا منهم ، ولم يكن لهم قول يدلّ على المحبّة إلّا قول إبراهيم ، وطبقا للتفسير الثاني فإنّ الاستثناء سوف يكون منقطعا ، وهذا بحدّ ذاته إشكال آخر عليه.
(٢) يتّضح ممّا قلناه أنّ هذه الجملة هي كلام إبراهيم عليهالسلام وأصحابه ، بالرغم من أنّ بعض المفسّرين احتمل كونها جملة مستقلّة ونزلت بعنوان إرشاد للمسلمين ضمن هذه الآيات ، وهو احتمال بعيد.