ثمّ يشير تعالى إلى العذاب المؤلم لهؤلاء المنافقين المصرّين على الباطل والمعاندين للحقّ ، حيث يقول تعالى : (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً) وبدون شك فإنّ هذا العذاب عادل وذلك : (إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ).
ثمّ للتوضيح الأكثر حول بيان سمات وصفات المنافقين يقول سبحانه : (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) (١).
يحلفون أنّهم مسلمون وليس لهم هدف سوى الإصلاح ، في حين أنّهم منهمكون بفسادهم وتخريبهم ومؤامراتهم .. وفي الحقيقة فإنّهم يستفيدون من الاسم المقدّس لله للصدّ والمنع عن سبيل الله تعالى ...
نعم ، إنّ الحلف الكاذب هو أحد علائم المنافقين ، حيث ذكره سبحانه أيضا في سورة المنافقين الآية (٢) في معرض بيان أوصافهم.
ويضيف تعالى في النهاية : (فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) أي مذلّ.
إنّهم أرادوا بحلفهم الكاذب تحسين سمعتهم وتجميل صورتهم ، إلّا أنّ الله سيبتليهم بعذاب أليم مذلّ ، وقبل ذلك عبّر عنه سبحانه بأنّه «عذاب شديد» ، كما في الآية (١٥) من هذه السورة ، لأنّهم يحزنون قلوب المؤمنين بشدّة.
والظاهر أنّ كلا العذابين مرتبط بالآخرة ، لأنّهما ذكرا بوصفين مختلفين : (مهين وشديد) فليس تكرارا ، لأنّ وصف العذاب بهذين الوصفين في القرآن الكريم يأتي عادة لعذاب الآخرة ، بالرغم من أنّ بعض المفسّرين احتملوا أنّ العذاب الأوّل مختّص بالدنيا أو عذاب القبر ، وأنّ الثاني مختّص بعذاب الآخرة.
ولأنّ المنافقين يعتمدون في الغالب على أموالهم وأولادهم وهما (القوّة الاقتصادية والقوّة البشرية) في تحقيق مآربهم وحلّ مشاكلهم ، فإنّ القرآن الكريم يشير إلى هذا المعنى بقوله تعالى : (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ
__________________
(١) «جنة» في الأصل من مادة (جن) على وزن (فن) بمعنى تغطية الشيء ، ولأن الدرع يغطي الإنسان من ضربات العدو فيقال له (جنة ومجن ومجنة).