لا يوجد شخص يعلم ـ بوضوح ـ حقيقة الحياة ولا حقيقة الموت ، إلّا أنّ الذي نعلمه عنهما هو آثارهما. والعجيب أنّ الحياة أقرب شيء لنا ولكنّنا لا نعرف أي شيء عن حقيقتها وأسرارها.
والنقطة الجديرة بالملاحظة هنا أنّ جملة (يحيي ويميت) جاءت بصورة فعل مضارع ممّا يدلّل على استمرار مسألة الحياة والموت على طول الأزمنة ، وإطلاق هذين المعنيين لا يشمل حياة وموت الإنسان في هذا العالم فقط ، بل يشمل كلّ حياة وممات بدءا من الملائكة وانتهاء بكلّ موجود حيّ من الحيوانات والنباتات المختلفة ، كما أنّها لا تقتصر على الحياة الدنيا فقط ، بل تشمل حياة البرزخ والقيامة أيضا.
نعم ، إنّ الموت والحياة بكلّ أشكالها بيد القدرة الإلهية المتعالية.
ثمّ يتطرّق سبحانه إلى ذكر خمس صفات اخرى حيث يقول : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
الوصف هنا بـ (الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ) تعبير رائع عن أزليّته وأبديّته تعالى ، لأنّنا نعلم أنّه وجود لا متناهي وأنّه (واجب الوجود) أي أنّ وجوده من نفس ذاته ، وليس خارجا عنه حتّى تكون له بداية ونهاية ، وبناء على هذا فإنّه كان من الأزل وسيبقى إلى الأبد.
إنّه بداية عالم الوجود ، وهو الذي سيبقى بعد فناء العالم أيضا.
وبناء على هذا فإنّ التعبير بـ (الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ) ليس له زمان خاصّ أبدا ، وليس فيه إشارة إلى مدّة زمنية معيّنة.
والوصف بـ (الظَّاهِرُ وَالْباطِنُ) هو تعبير آخر عن الإحاطة الوجودية ـ أي وجود الله ـ بالنسبة لجميع الموجودات ، أي نّه أظهر من كلّ شيء لأنّ آثاره شملت جميع مخلوقاته في كلّ مكان ، وهو خفيّ أكثر من كلّ شيء أيضا لأنّ كنه ذاته لم يتّضح لأحد.