علم أنّه يكون في آخر الزمان أقوام متعمّقون فأنزل الله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) ، والآيات في سورة الحديد إلى قوله : (عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) ومن رام وراء ذلك فقد هلك» (١).
يستفاد من هذا الحديث أنّ هذه الآيات تعطي للظمأى من طلّاب الحقيقة أقصى حدّ للمعرفة الممكنة.
وعلى كلّ حال فإنّ أوّل آية من هذه السورة بدأت بتسبيح وتنزيه الله عزوجل حيث يقول سبحانه : (سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).
لقد انتهت السورة السابقة بأمر التسبيح ، وابتدأت هذه السورة المباركة بالتسبيح الإلهي أيضا. والجدير بالملاحظة أنّ في سور المسبّحات الخمس جاءت كلمة التسبيح ثلاث مرّات بصيغة الماضي (سبّح) في سور الحديد والحشر والصفّ ، وفي موردين جاءت بصيغة المضارع (يسبّح) في سور الجمعة والتغابن ، وهذا الاختلاف في التعبير قد يكون إشارة إلى أنّ جميع الكائنات في العالم قد سبّحت وتسبّح لذاته المقدّسة في الماضي والمستقبل.
وحقيقة «التسبيح» عبارة عن نفي كلّ عيب ونقص (٢) عن الذات الإلهيّة ، وشهادة جميع الكائنات في هذا العالم بطهارة ذاته من كلّ عيب ، حيث أنّ النظم والحساب والحكمة والعجائب في نظام الكائنات .. هذه جميعها تذكر (الله) بلسان حالها وتسبّحه وتحمده وتنزّهه وتؤكّد أنّ لخالقها قدرة لا متناهية ، وحكمة لا محدودة.
ولذا جاء في نهاية هذه الآية : (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
كما يحتمل أن تتمتّع جميع ذرّات الوجود بنوع من الإدراك والشعور بحيث
__________________
(١) أصول الكافي طبقا لنقل تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٢٣١.
(٢) «التسبيح» في الأصل من مادّة (سبح) على وزن (مسح) بمعنى الحركة السريعة في الماء والهواء. والتسبيح أيضا هو الحركة السريعة في مسير عبادة الله عزوجل (الراغب في المفردات).