وقد استفحلت أهميّة الإيمان بخلافة الخلفاء ولا سيما الثالث في عهد معاوية للإطاحة بعليّ وأهل بيته وإقصائهم عن الساحة السياسية ، حتّى يخلو الجوّ لمعاوية وأبناء بيته ، وقد أمر الخطباء والوعّاظ بنشر مناقب الخلفاء أوّلاً ، وسائر الصحابة ثانياً ، والمنع عن نشر أيّة فضيلة من فضائل أمير المؤمنين علي ـ عليهالسلام ـ.
إنّ الرسائل العقائدية الّتي أشرنا إليها اشتملت على ما يربو على خمسين أصلاً ، يتراءى لنا أنّها من أُصول الإسلام ، وأنّها ممّا قد أجمع عليها المسلمون بعد رحيل الرسول ، ولكن الواقع غير ذلك فأكثر الأُصول ردود على الفرق الكلامية الّتي ظهرت في الساحة ، فصارت العقائد الإسلامية كأنّها ردود على الفرق الناجمة في عصر التيارات الكلامية ولا أصالة لها. ولو لا تلك الفرق الضالة! لم يكن لهذه الأُصول عين ولا أثر ، حتّى أنّ مسألة تربيع الخلفاء تمّ الاتّفاق عليها في عصر الإمام أحمد ، وكان أكثر المحدّثين على التثليث.
قد ذكر ابن أبي يعلى بالاسناد إلى وديزة الحمصي قال : دخلت على أبي عبد الله أحمد بن حنبل حين أظهر التربيع بعلي ـ رضياللهعنه ـ فقلت له : يا أبا عبد الله إنّ هذا لطعن على طلحة والزبير ، فقال : بئس ما قلت وما نحن وحرب القوم وذكرها ، فقلت : أصلحك الله إنّما ذكرناها حين ربّعت بعلي وأوجبت له الخلافة وما يجب للأئمّة قبله ، فقال لي : وما يمنعني من ذلك؟ قال : قلت : حديث ابن عمر. فقال لي : عمر خير من ابنه فقد رضي علياً للخلافة على المسلمين وأدخله في الشورى ، وعلي بن أبي طالب ـ رضياللهعنه ـ قد سمّى نفسه أمير المؤمنين ، فأقول : أنا ليس للمؤمنين بأمير ، فانصرفتُ عنه. (١)
والحقّ أنّ الأُصول التي تبنّاها الإمام أحمد وبعده الإمام الأشعري أو جاءت
__________________
(١) طبقات الحنابلة : ١ / ٣٩٣.