الطائفة الثانية يزعمون أنّهم بالقول بالتفويض ينزهون الرب عن كلّ عيب وشين.
كان الرأيان سائدين ولكن أئمّة أهل البيت ضربوا على وجه الرأيين وقالوا : إنّ موقف الإنسان بالنسبة إلى الله غير موقف الجبر المشوِّه لسُمعة المذهب ، وغير موقف التفويض المُلْحِق للإنسان بمكان الشرك ، بل موقفه أمر واقع بين الأمرين.
إنّ صيانة التوحيد في الخالقية ليس منوطاً بالقول بالجبر ، أو صيانة عدله وقسطه ليس منحصراً بالقول بالتفويض ، بل يمكن الجمع بين الرأيين برأي ثالث ، وهو انّ الإنسان ذاته وفعله قائمان بذاته سبحانه ، وبذلك لا يصحّ فصل فعل الإنسان عنه سبحانه لافتراض قيامهما وعامة العوالم بوجوده سبحانه.
وفي الوقت نفسه انّ فعله غير منقطع عنه ، وذلك لأنّ مشيئة الله تعلّقت بنظام قائم على أسباب ومسببات ، وصدور كلّ مسبب (فعل الإنسان) عن سببه وهو الإنسان ، فلا يصحّ فصل المسبّب عن سببه ، فالنتيجة هو انّ لفعل الإنسان صلة بالله وصلة بسببه ، وهذا هو الأمر بين الأمرين.
نحن نعتقد بالتوحيد في الخالقية الذي يعبر عنه بالتوحيد الأفعالي ، ولكن لا بمعنى إنكار العلل والأسباب وإنكار الروابط بين الظواهر الكونية ونفي أيّ سبب ظلّي يعمل بإذنه سبحانه ، فإنّ إلغاء الأسباب مخالف للضرورة والوجدان والذكر الحكيم.
بل بمعنى انّ العوالم الحسيّة والغيبيّة بذواتها وأفعالها قائمة به سبحانه ، وكما انّ تأثيرها وسببيّتها بإذنه ومشيئته ، فكلّ ظاهرة كونية لها نسبة إلى أسبابها ، كما أنّ لها نسبة إلى خالق أسبابها ، فإلغاء كلّ سبب وعلّة ، ونسبة الظاهرة إلى ذاته سبحانه ، غفلة عن تقديره سبحانه لكلّ شيء سبباً ، كما أنّ نسبة الفعل إلى السبب القريب وفصله عن الله سبحانه غفلة عن واقع السبب وانّه بوجوده وأثره قائم بالله