كما أنّ الدافع في الثاني (إنكارهما في أفعال الإنسان) هو قولهم بالجبر في أفعاله وانّ الإنسان مضطر في فعله لا محيص له عن ارتكابه ، ومع ذلك كيف يمكن أن يوصف فعله بالحسن والقبح؟!
يقول المحقّق الخراساني (المتوفّى ١٣٢٩ ه) في هذا الصدد :
وإنّما أنكر الأشاعرة الحسن والقبح العقليّين مطلقاً ، أو في أفعاله تعالى فلبنائهم انّه تعالى كلّما فعل ، صدر منه في محله ، لأنّه مالك الخلق كلّه ، فلو أثاب العاصي وعاقب المطيع لم يأت بقبيح ، لأنّه تصرّف في ملكه ، وهو لا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون.
وأمّا في أفعال العباد ، فلبنائهم على عدم صدور الأفعال منهم بالاختيار ، بل بالجبر والاضطرار ، ولا شيء من أفعال المجبور بحسن ولا قبيح. (١)
الرابع : جواز التكليف بما لا يطاق
اعتمد الفخر الرازي في إنكاره للحسن والقبح العقليّين على أنّ التكليف بما لا يطاق قبيح عقلاً عند العدلية ، مع أنّ الشرع أمر به ، وإليك نصّه :
١. لو كان قبيحاً لما فعله الله تعالى ، وقد فعله بدليل أنّه كلّف الكافر بالإيمان ، مع علمه بأنّه لا يؤمن ، وعلمه بأنّه متى كان كذلك كان الإيمان منه محالاً.
٢. لأنّه كلّف أبا لهب بالإيمان ، ومن الإيمان تصديق الله تعالى في كلّ ما أخبر عنه ، وممّا أخبر عنه أنّه لا يؤمن ، فقد كلّفه بأن يؤمن بأنّه لا يؤمن ، وهو تكليف الجمع بين الضدين. (٢)
__________________
(١) درر الفوائد في شرح الفرائد : ٣٣٩.
(٢) المحصل : ١٥٣ ، ط دار الفكر ؛ نقد المحصل : ٣٣٩ ، ط طهران.