٤
الصحابة أبصر بحالهم من غيرهم
إنّ من سبر تاريخ الصحابة بعد رحيل رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ ، يجد فيه صفحات مليئة بألوان الصراع والنزاع بينهم ، حافلة بتبادل التّهم والشتائم ، بل تجاوز الأمر بهم إلى التقاتل وسفك الدماء ، فكم من بدري وأُحدي انتُهكت حرمته ، وصُبّ عليه العذاب صبّاً ، أو أُريق دمه بيد صحابي آخر.
وهذا ممّا لا يختلف فيه اثنان ، بيد أنّ الذي ينبغي التنبيه عليه ، هو أنّ كلاً من المتصارعين ، كان يعتقد أنّ خصمه متنكّبٌ عن جادة الصواب ، وأنّه مستحقّ للعقاب أو القتل ، وهذا الاعتقاد ، حتّى وإن كان نابعاً عن اجتهاد ، فإنّه يكشف عن أنّ كلاً من الفئتين المختلفتين لم تكن تعتقد بعدالة الفئة الأُخرى.
فإذا كان الصحابي يعتقد أنّ خصمه عادل عن الحق ومجانب لشريعة الله ورسوله ، وهو على أساس ذلك يبيح سلّ السيف عليه وقتله ، فكيف يجوز لنا نحن أن نحكم بعدالتهم ونزاهتهم جميعاً ، وأن نضفي عليهم ثوب القدسيّة على حدّ سواء؟! ونُبرّأهم من كل زيغ وانحراف؟
أو ليس الإنسان أعرف بحاله وأبصر بروحيّاته؟
أو ليس الصحابة أعرف منّا بنوازع أنفسهم ، وبنفسيات أبناء جيلهم؟