وكم من عائب قولاً صحيحاً |
|
وآفته من الفهم السقيم |
الثالثة : كلّ فاعل مسئول عن فعله
إنّ العقلاء قاطبة ـ حتى أهل الحديث والأشاعرة ـ يرى الإنسان مسئولاً عن فعله وعمله ، وليس المحسِن والمسيء عندهم سواسية ، بل يُثاب الأوّل ، ويُعاقب الثاني ، كلّ وفقَ عمله ، ومدى مسئوليته ، وهذا فرع أن يكون للفاعل دور في فعله ، وعمله ، ولو أصاب رأسه حجر فأدماه ، فيحمّل مسئولية الإدماء على عاتق الرامي ، دون الحجر ، وذلك لأنّ له شعوراً وارادة ، دون الآخر ، وعلى ضوء ذلك يصف الذكر الحكيم بأنّ الإنسانَ مسئول عن عمله ويقول : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) (١) بل يعد أدوات المعرفة أيضاً ، مسئولة ويقول (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) (٢) ، وذلك لأنّها بيد الإنسان ، أداة طيّعة يستخدمها كيف ما شاء.
فإذا كان هذا لسانَ العقل والعقلاء وصريحَ الذكر الحكيم فلو كانت أفعاله وأعماله ، مخلوقة لله ، على نحو تفقد صلتها بالإنسان ، فما معنى كونه مسئولاً عن عمل ، قام به غيره ، أو مجزياً بفعل غيره ، وليس لجسمه أو روحه دور ، سوى كونه ظرفاً ووعاءً لفعل الغير يخلقه فيه.
إذ كيف يثاب أو يعاقب على ما ليس له فيه شأن؟! وكيف يكون معاقباً وقد جنى غيره وفق قول القائل :
__________________
(١) الصافات : ٢٤.
(٢) الإسراء : ٣٦.