وبالجملة : إنّ تنبّؤات الأنبياء والأولياء بوقوع حوادث مستقبلية تتحقّق غالباً ، وعند ما تتخلّف يكون الإخبار مقروناً بأمارات دالّة على صدقه كما تقدّم.
الثالثة : استلزام البداء للتشكيك في مطلق ما أخبر
إذا كان إخبار النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ خاضعاً للبداء فلا يبقى أيُّ اعتماد بتنبّؤات الأنبياء والأولياء ، فإذا أخبر المسيح بمجيء نبي بعده اسمه أحمد ، أو أخبر النبي عن كونه خاتم الأنبياء ، أو عن ظهور المهدي في آخر الزمان ، وكان الجميع خاضعاً للبداء والتغيير فلا يبقى وثوق بما أخبر.
والجواب : انّ البداء إنّما يتعلّق بموارد جزئية وحوادث خاصّة ، كما عرفت من ذبح إسماعيل ونزول البلاء على قوم يونس وموت العروس واليهودي بالأسود ، فهذا القسم من التنبؤات تقتضي المصلحة وقوع البداء فيها ، وهي أُمور نادرة بالنسبة إلى ما جاء به الأنبياء من السنن والقضايا والسياسات ، فلا يورث البداء في مورد أو موارد لا تتعدى عن عدد الأصابع ، شكاً وترديداً فيما أخبر به الأنبياء أو جاءوا به من الأحكام ، وإن شئت التفصيل فنذكر بعض ما لا يتطرّق إليه البداء فنقول :
١. السنن الكونية لا تخضع للبداء
إنّ لله سبحانه تبارك وتعالى سنناً كونية غير محددة بزمان ومكان ، وهي ثابتة لا تخضع للبداء ، لأنّها سنة ، والسنّة بطبعها تقتضي الشمول والعموم وتأبى التخصيص والتبعيض ، قال الله سبحانه : (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) (١)
__________________
(١) الأحزاب : ٦٢.