١
نظرية المعتزلة
ذهبت المعتزلة إلى أنّ كلامه أصوات وحروف ليست قائمة بذاته تعالى ، بل يخلقها في غيره كاللوح المحفوظ أو جبرئيل أو النبي ، وقد صرّح بذلك القاضي عبد الجبار رئيس المعتزلة في القرن الخامس فقال : حقيقة الكلام ، الحروف المنظومة ، والأصوات المقطعة ، وهذا كما يكون منعماً بنعمة توجد في غيره ، ورازقاً برزق يوجد في غيره ، فهكذا يكون متكلّماً بإيجاد الكلام في غيره ، وليس من شرط الفاعل أن يحل عليه الفعل. (١)
والظاهر انّ كونه سبحانه متكلّماً بهذا المعنى لا خلاف فيه ، إنّما الكلام في حصر تكلّمه في هذا المعنى ، قال السيّد الشريف عميد الأشاعرة في القرن التاسع في شرح المواقف : «هذا الذي قالته المعتزلة لا ننكره ، بل نحن نقوله ونسمّيه كلاماً لفظياً ونعترف بحدوثه وعدم قيامه بذاته تعالى ، ولكن نثبت أمراً وراء ذلك. (٢)
ولكن يرد على هذه النظرية أنّها تفسر الكلام الذي يخاطب به سبحانه شخصاً من أوليائه ، وأمّا إذا لم يكن هناك مخاطب خاص فلا بدّ أن يكون لكلامه معنى آخر ، إذ لا معنى للخطاب بالأصوات والألفاظ دون أن يكون هناك مخاطب إلاّ أن يكون كلامه سبحانه محصوراً في هذا القسم ، وسيوافيك عدم صحّته.
__________________
(١) شرح الأُصول للقاضي عبد الجبار : ٥٢٨ ؛ شرح المواقف للسيد الشريف : ٤٩٥.
(٢) شرح المواقف : ١ / ٧٧.