فقال : «أجل يا شيخُ ما علَوتُم من تلْعة ولا هبطتم من واد إلاّ بقضاء من الله وقدره فقال الشيخ : عند الله احتسب عنائي يا أمير المؤمنين. (١)
فقال أمير المؤمنين ـ عليهالسلام ـ : «يا شيخ ، فو الله لقد عظّم الله لكم الأجر في مسيركم ، وأنتم سائرون ، وفي مقامكم إذ أنتم مقيمون ، وفي منصرفكم وأنتم منصرفون ، لم تكونوا في شيء من حالاتكم مُكْرَهين ، ولا إليه مضطرّين».
فقال الشيخ : فكيف لم نكن في شيء من حالاتنا مكرهين ، ولا إليه مضطرين وكان بالقضاء والقدر مسيرنا ومنقلبنا ومنصرفنا؟!
فقال أمير المؤمنين ـ عليهالسلام ـ : «أتظن أنّه كان قضاءً حتماً ، وقدراً لازماً ، إنّه لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب ، والأمر والنهي ، والزجر من الله تعالى ، وسقط معنى الوعد والوعيد ، ولم تكن لائمة للمذنب ، ولا مَحْمَدَة للمحسن ، ولكان المذنب أولى بالإحسان من المحسن ، ولكان المحسن أولى بالعقوبة من المذنب ، وتلك مقالة إخوان عبدة الأوثان وخصماء الرحمن ، وحزب الشيطان وقدرية هذه الأُمّة ومجوسها ، وانّ الله كلّف تخييراً ونهى تحذيراً ، وأعطى على القليل كثيراً ، ولم يُعص مغلوباً ، ولم يُطع مكرهاً ، ولم يملِّك مفوِّضاً ، ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلاً ، ولم يبعث النبيّين مبشّرين ومنذرين عبثاً ، ذلك ظن الّذين كفروا فويل للّذين كفروا من النار». (٢)
والحديث جمع بين القول بين القدر والقضاء وكون الإنسان مخيّراً لا مسيّراً. وانّ الإيمان بالقدر ، لا يجعل الإنسان مكتوف اليدين بل هو مختار غير مكرَه.
ولقد بقيت الفكرة بعد رحيل الإمام علي ـ عليهالسلام ـ وتسرّبت إلى كثير من الأوساط
__________________
(١) ومعنى هذه الجملة : انّي لم أقم بعمل اختياري ، ولأجل ذلك احتسب عنائي عند الله.
(٢) الصدوق : التوحيد : ٣٨٠ ، الحديث ٢٨.