بتنصيب خليفة من بعده عارفاً بالكتاب والسنّة ، شُجاعاً مِقْداماً ، واعياً بالأوضاع السياسية ، حازماً ، يمسك بزمام الأُمور ويقود المجتمع الإسلامي إلى ساحل الأمان وهذا بخلاف ما لو ارتحل دون أن يفكر بمستقبل الحكومة الإسلامية والمؤامرات والفتن التي تحدق بها ، ويدلي بالأمر إلى الأُمّة كي تنتخب لها قائداً من بعده ، فانّ اتخاذ مثل هذا الموقف كان على خلاف مصالح الأُمّة ، وبعيداً عن ذهنية من كان محيطاً بالأوضاع الداخلية لأُمّته والنزاعات الطائفية التي كانت قائمة على قدم وساق والتي ربما كانت تنتهي إلى حروب داخلية تجعل الأُمّة عرضة لأطماع الأعداء التوسعية التي يحكي عنها قوله سبحانه : (أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ). (١)
ب : النظام القبلي يمنع من الاتفاق على قائد
لقد كان من أبرز ما يتميز به المجتمع العربي قبل الإسلام ، هو النظام القبلي ، والتقسيمات العشائرية التي كانت تحتلّ ـ في ذلك المجتمع ـ مكانة كبرى ، وتتمتّع بأهميّة عظيمة.
فلقد كان شعب الجزيرة العربية ، غارقاً في هذا النظام الذي كان سائداً في كلّ أنحائها.
ولقد كان للقبيلة أكبر الدور في الحياة العربية ـ قبل الإسلام ـ وعلى أساسها كانت تدور المفاخرات وتنشد القصائد ، وتُبنى الأمجاد ، كما كانت هي منشأ أكثر الحروب وأغلب المنازعات التي ربما كانت تستمرّ قرناً أو أزيد ، كما حدث بين الأوس والخزرج ، أكبر قبيلتين عربيّتين في يثرب (المدينة) كلّفهم مئات القتلى قبل
__________________
(١) الطور : ٣٠.