نفسه ، كفيت نفسَك مئونة الكلام عليه ، لأنّ الكلام على ما لا يعقل لا يمكن ... والذي يبيّن لك صحّة ما نقوله أنّه لو كان معقولاً لكان يجب أن يعقله مخالفو المجبّرة في ذلك ، من الزيدية والمعتزلة والخوارج والإمامية. فإنّ دواعيهم متوافرة ، وحرصهم شديد في البحث عن هذا المعنى ، فلمّا لم يوجد في واحد من هذه الطوائف ـ على اختلاف مذاهبهم ، وتنائي ديارهم ، وتباعد أوطانهم ، وطول مجادلتهم في هذه المسألة ـ من ادّعى أنّه عقل هذا المعنى أو ظنّه أو توهّمه ، دلّ على أنّ ذلك ممّا لا يمكن اعتقاده والإخبار عنه البتة.
وأحد ما يدلّ على أنّ الكسب غير معقول ، هو أنّه لو كان معقولاً لوجب ـ كما عقله أهل اللغة وعبروا عنه ـ أن يعقله غيرهم من أرباب اللغات ، وأن يضعوا له عبارة تُنبئ عن معناه. فلمّا لم يوجد شيء من اللغات ما يفيد هذه الفائدة ، دلّ على أنّه غير معقول. (١)
قال الشيخ المفيد :
ثلاثة أشياء لا تُعقل ، وقد اجتهد المتكلّمون في تحصيل معانيها من معتقديها بكلّ حيلة فلم يظفروا منهم إلاّ بعبارات يتناقض المعنى فيها على مفهوم الكلام :
١. اتحاد النصرانية.
٢. كسب النجارية.
٣. أحوال البهشمية.
إلى أن قال : ومن ارتاب فيما ذكرناه في هذا الباب فليتوصل إلى إيراد معنى ـ في واحد منها ـ معقول ، والفرق [كذا] بينها في التناقض والفساد ، ليعلم أنّ
__________________
(١) شرح الأُصول الخمسة للقاضي عبد الجبار : ٣٦٤ ـ ٣٦٦.