التعبير مقروناً بالقرينة الدالّة على المراد ، فإذا ظهر الشيء بعد الخفاء ، فبما انّه بداء بالنسبة إلينا نوصف فعله سبحانه به أيضاً وفقاً للمشاكلة ، وإلاّ فهو ـ في الحقيقة ـ بداء من الله للناس ، ولكنّه يتوسّع كما يتوسّع في غيره من الألفاظ ، ويقال بدا لله تمشّياً مع ما في حسبان الناس وأذهانهم وقياس أمره سبحانه بأمرهم ، ولا غرو في ذلك إذا كانت هناك قرينة على المجاز والمشاكلة.
٣. انّ اللام هنا بمعنى «من» فقوله : «بدا لله» أي بدا من الله للناس ، يقول العرب : قد بدا لفلان عمل صحيح أو بدا له كلام فصيح ، كما يقولون بدا من فلان كذا ، فيجعلون اللام مقام «من» ، فقولهم : بدا لله أي بدا من الله سبحانه. (١)
فعلى ضوء هذه الجهات يصحّ إطلاق البداء على الله سبحانه ووصفه به ، حتّى لو قلنا بتوقيفية الأسماء والصفات وما ينسب إليه تعالى من الأفعال ، لوروده في الحديث النبوي الآنف الذكر.
الثانية : استلزام البداء في مقام الإثبات الكذب
قد عرفت أنّ للبداء مجالين : مقام الثبوت ومقام الإثبات ، والمراد من الثاني كما تقدّم هو إخبار النبيّ ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ عن حادثة وعدم وقوعها لانتفاء شرطها ، فحينئذ تطرح الشبهة التالية بأنّه إذا أخبر النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ ولم يتحقّق ما أخبر به يلزم حينها كذبه وزوال الاعتماد على قوله.
والجواب : إنّ مصدر خبر النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ إمّا الوحي كما هو الحال في الإخبار عن أمره سبحانه بذبح إسماعيل أو نزول العذاب على قوم يونس ، أو اتّصال النبي بلوح المحو والإثبات ، أو الألواح التي يكتب فيها الحوادث الثابتة والمتغيّرة ، فربّما
__________________
(١) أوائل المقالات : ٥٣.