لا تخصيص في القاعدة العقلية
والعجب من أبي زهرة ، حيث يتفاعل مع الشيعة في معنى البداء في موضع دون موضع آخر ، فقال : إنّ البداء بمعنى أن ينزل بالناس ما لم يحتسبوا ويقدروا كالغنى بعد الفقر والمرض بعد العافية ، فهذا موضع اتّفاق بين الشيعة والسنة.
فنسأله أيّ فرق بين تغيير الفقر إلى الغنى والمرض إلى العافية وبين الزيادة في الآجال والأرزاق والنقصان منها بالأعمال ، حيث جوّز الأوّل دون الثاني ، مع أنّ الجميع في تغيير ما قُدِّر سيّان ، حيث كان المقدّر هو الفقر والمرض ، فتغيّرا إلى ضدهما ، ولو كان التغير في المقدَّر مستلزماً للتغيّر في علمه سبحانه فما هو الفرق بين الموردين ، ولما ذا تمسّك بالقاعدة العقلية في مورد دون مورد؟
وزان التقديرين وزان الأجلين
وهذا مثل قوله سبحانه : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ). (١)
والمراد من الأجل الأوّل ، هو القابليّة الطبيعيّة لأفراد النوع الإنساني ، والعمر الطبيعي لنوع الإنسان.
وأمّا الأجل المسمّى ، فهو الأجل القطعي الذي لا يتجاوزه الفرد ، وإليه يشير سبحانه بقوله : (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ). (٢)
نعم الأجل المسمّى كثيراً ما ينقص عن الأجل المطلق ، فلو جعلنا مقدار
__________________
(١) الأنعام : ٢.
(٢) النحل : ٦١.