والمراد من الشيء في الآية إمّا المعنى العام ، أو المعنى الخاص ، أي العقيدة والشريعة ، والمعنى الثاني هو القدر المتيقّن ، فيجب أن يكون ميزاناً للحقّ والباطل فيما تحكيه الروايات في مجالي العقيدة والشريعة.
كما أنّه سبحانه عرّفه في مكان آخر بأنّه المهيمن على جميع الكتب السماوية (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ). (١)
فإذا كان القرآن مهيمناً على جميع الكتب السماوية وميزاناً للحقّ والباطل الواردين فيها ، فأولى أن يكون مهيمناً على ما يُنسب إلى صاحب الشريعة المحمّدية من صحيح وسقيم.
ومقتضى ذلك أن يكون القرآن حاكماً على السنّة ومعياراً لصحّتها وسقمها ؛ ولكن الغلوّ في رواة السنّة وعلى رأسهم الصحابة ، انتهى إلى خلاف ذلك ، فصارت السنّة قاضية على القرآن ، حاكمة عليه ، وهذا أحد مظاهر الغلوّ في الصحابة ومن تتلمذ على أيديهم حيث قدّموا رواياتهم على كتاب ربّ العزّة ، وإن كنت في ريب ممّا ذكرنا فاقرأ ما نتلوه عليك :
روى الحافظ الكبير أبو محمد عبد الرحمن الدارمي في سننه في باب «السنّة قاضية على كتاب الله» بسنده عن يحيى بن أبي كثير قال : السنّة قاضية على القرآن وليس القرآن بقاض على السنّة. (٢)
قال الإمام الأشعري واختلفوا في القرآن هل ينسخ إلاّ بقرآن ، وفي السنّة هل ينسخها القرآن؟ فقال : المختلفون في ذلك ثلاثة أقاويل ، منها :
السنّة تنسخ القرآنَ وتقضي عليه ، والقرآن لا ينسخ السنّة ولا يقضي
__________________
(١) المائدة : ٤٨.
(٢) سنن الدارمي : ١ / ١٤٤.