اليهود والمشركين لتوجيه الضربات إلى الكيان الإسلامي من الداخل تخلّصاً من هذا الدين الذي هدّد مصالحهم ، ولقد كان المنافقون ولا يزالون أشدّ خطراً من أيّ شيء آخر على الإسلام ، وذلك لأنّهم كانوا يوجّهون ضرباتهم بصورة ماكرة وخفيّة ، وبنحو يخفى على العاديين من الناس.
لقد تصدى الذكر الحكيم لفضح المنافقين والتشهير بجماعتهم وخططهم في أكثر السور القرآنية ، مثل البقرة ، آل عمران ، المائدة ، الأنفال ، التوبة ، العنكبوت ، الأحزاب ، محمّد ، الفتح ، المجادلة ، الحديد ، والحشر.
كما نزلت في حقّهم سورة خاصة باسم المنافقين ، ولا يسعنا نقل معشار ما تآمروا به في الفترة المدنية ، ويكفي في ذلك قوله سبحانه في حقّهم : (لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كارِهُونَ). (١)
ويشير أيضاً إلى تآمرهم ليلاً ونهاراً حيث كانوا يبيّتون خلاف ما يظهرونه ويبدونه أمام النبيّ كما يقول : (وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ). (٢)
وكان من المحتمل جدّاً أن يتفق هذا الخطر الثلاثي ـ الناقم على الإسلام ـ على محو الدين وهدم كلّ ما بناه الرسول طوال ثلاثة وعشرين عاماً من الجهود والمتاعب ، وتضييع كلّ ما قدّمه المسلمون من تضحيات في سبيل إقامته.
إنّ احتمال قيام المؤامرات واتّحاد قوى الشرك مع الطابور الخامس لم يكن يوم ذاك غائباً عن ذهنية المشرِف على الأوضاع السياسية فضلاً عن النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ ، ومثل هذا يفرض على القائد العليم أن يدحض جميع تلك المخططات والمؤامرات
__________________
(١) التوبة : ٤٨.
(٢) النساء : ٨١.