الجسمانية والروحانية.
إنّ الأنبياء كما يحدِّثنا التاريخ كانوا ربيبو البيوتات الصالحة العريقة بالفضائل والكمالات ، وما زالت تنتقل تلك الكمالات والفضائل الروحية من جيل إلى جيل وتتكامل إلى أن تتجسد في نفس النبي ويتولد هو بروح طيبة وقابلية كبيرة لإفاضة المواهب الإلهية علية.
وأمّا عامل التربية فإنّ الكمالات والفضائل الموجودة في بيتهم تنتقل عن طريق التربية إليهم ، ففي ظلّ ذينك العاملين (الوراثة والتربية) نرى كثيراً من أهل تلك البيوتات ذوي ايمان وأمانة ، وذكاء ودراية ، فهذه الكمالات الروحية توجد أرضية صالحة لإفاضة العصمة إلى أصحابها.
نعم هناك عامل ثالث لهذه الإفاضة ، وهو داخل في إطار الاختيار وحرّية الإنسان بخلاف العاملين السابقين وهو :
إنّ حياة الأنبياء من لدن ولادتهم إلى زمان بعثتهم ، مشحونة بالمجاهدات الفردية ، والاجتماعية ، فقد كانوا يجاهدون النفس
الأمارة أشدّ الجهاد ، ويمارسون تهذيب أنفسهم بل ومجتمعهم ، فهذا هو يوسف الصدّيق ـ عليهالسلام ـ جاهد نفسه الأمارة وألجمها بأشد الوجوه عند ما راودته من هو في بيتها (وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ) فأجاب بالرد والنفي بقوله : (مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ). (١)
وهذا موسى كليم الله وجد في مدين امرأتين تذودان واقفتين على بعد من البئر ، فقدم إليهما قائلاً : ما خطبكما فقالتا : انا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير ، وعند ذلك لم يتفكر في شيء إلاّ في رفع حاجتهما ، ولأجل ذلك سقى لهما
__________________
(١) يوسف : ٢٣.