(فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) متعلق بسعيهم لا بضل وذلك كالعتق ، والوقف ، وإغاثة الملهوف ، لأن الكفر لا تنفع معه طاعة (وَهُمْ يَحْسَبُونَ) أي والحال أنهم يظنون (أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) (١٠٤) أي يحسنون في أعمالهم بالإتيان بها على وجه اللائق ويحسبون أنهم ينتفعون بآثارها. قيل : المراد بهم أهل الكتابين. وقيل : الرهبانية الذين يحبسون أنفسهم في الصوامع ويحملونها على الرياضات الشاقة وجملة وهم يحسبون حال من فاعل ضل ، وهو أولى من كونها حالا من المضاف إليه (أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ) أي بدلائله الداعية إلى توحيده عقلا ونقلا (وَلِقائِهِ) أي وكفروا بالبعث بعد الموت وبرؤيته تعالى في الآخرة (فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) أي بطلت لإنكارهم الدلائل (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً) (١٠٥) أي فلا نجعل لمن حبطت أعمالهم حبوطا كليا يوم القيامة قدر إبل نزدري بهم فليس لهم عندنا قيمة أصلا ولا يوزن من خيراتهم قدر ذرة (ذلِكَ جَزاؤُهُمْ) أي ذلك الذي ذكرناه من أنواع الوعيد هو جزاؤهم (جَهَنَّمُ) عطف بيان للخبر (بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي) الدالة على وحدانيتي (وَرُسُلِي) المؤيدين بالمعجزات (هُزُواً) (١٠٦) أي مهزوءا بهما (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) بآيات ربهم ولقائه (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) من الأعمال (كانَتْ لَهُمْ) فيما سبق من حكم الله تعالى ووعده (جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً) (١٠٧) أي منزلا خبر كانت ولهم متعلق بمحذوف حال من نزلا (خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً) (١٠٨) أي لا يطلبون تحولا إلى غيرها وهذا يدل على غاية الكمال فلا مزيد عليها في خيرات الجنة حتى يريد أشياء غيرها ، فإن الإنسان في الدنيا إذا وصل إلى أي درجة كانت من السعادات فهو طامح الطرف إلى ما هو أعلى منها.
وعن كعب أنه قال : ليس في الجنان أعلى من جنة الفردوس وفيها الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر. وعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين مسيرة مائة عام ، والفردوس أعلاها. وفيها الأنهار الأربعة فإذا سألتم الله تعالى فاسألوه الفردوس فإن فوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة» (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي) أي قل يا أشرف الخلق لو كان ماء البحر مداد التحرير كلمات علم ربي وحكمته لنفد البحر مع كثرته في كتابتها ولم يبق منه شيء لتناهيه من غير أن تنفد كلمات ربي لعدم تناهيها.
وقرأ حمزة والكسائي «ينفد» بالياء التحتية. (وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ) أي بمثل ماء البحر (مَدَداً) (١٠٩) أي زيادة لنفد البحر ولم تنفد كلمات ربي. وقيل : هنا بمعنى غير ، أو بمعنى دون.
وروي أن حيي بن أخطب قال : في كتابكم ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ، ثم تقرأون وما أوتيتم من العلم إلا قليلا فنزلت هذه الآية أي إن ذلك الحكمة خير كثير ولكنه قطرة من بحر كلمات الله ثم أمر الله تعالى سيدنا محمدا صلىاللهعليهوسلم بأن يسلك طريقة التواضع فقال : (قُلْ) لهم بعد ما بينت لهم شأن كلماته تعالى : (إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) لا أدعي الإحاطة بكلماته تعالى التامة