ثم يزعمون أن ما يذبحونه حلال وما يذبحه الله حرام فوقع في نفس ناس من المسلمين من ذلك شيء ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (لِيُجادِلُوكُمْ) في أكل الميتة (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ) في استحلال الميتة (إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) (١٢١).
قال الزجاج : وهذا دليل على أن كل من أجل شيئا مما حرم الله تعالى أو حرم شيئا مما أحل الله تعالى فهو مشرك وإنما سمي مشركا لأنه أثبت حاكما سوى الله تعالى وهذا هو الشرك (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ) أي أو من كان كافرا فهديناه إلى الإيمان (وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً) عظيما وهو نور الوحي الإلهي (يَمْشِي بِهِ) أي بسببه (فِي النَّاسِ) أي فيما بين الناس آمنا من جهتهم (كَمَنْ مَثَلُهُ) أي صفته (فِي الظُّلُماتِ) أي ظلمات الكفر والطغيان وعمى البصيرة (لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها) أي من تلك الظلمات. فإذا دام الكافر في ظلمات الجهل والأخلاق الذميمة صارت تلك الظلمات كالصفة الذاتية يعسر إزالتها عنه ، وإنما جعل الكفر موتا لأنه جهل والجهل يوجب الحيرة ، فهو كالموت الذي يوجب السكون ، والكافر ميتا لأنه لا يهتدي إلى شيء كالجاهل (كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٢٢) أي مثل تزيين المؤمنين بالإيمان والنور زين من جهة الله بطريق الخلق ومن جهة الشياطين بطريق الزخرفة للكافرين ما استمروا على عمله.
قال زيد ابن أسلم والضحاك : نزلت هذه الآية في عمر بن الخطاب وأبي جهل. وقال عكرمة : نزلت في عمار بن ياسر وأبي جهل. وقال ابن عباس : إن أبا جهل رمى النّبيّ صلىاللهعليهوسلم بفرث فأخبر بذلك حمزة عند قدومه من صيد والقوس بيده وهو لم يؤمن يومئذ فعمد إلى أبي جهل وجعل يضرب رأسه بالقوس ، فقال له أبو جهل وقد تضرع إليه : يا أبا يعلى أما ترى ما جاء به سفه عقولنا وسب آلهتنا وخالف آباءنا! فقال حمزة : أنتم أسفه الناس تعبدون الحجارة من دون الله. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله. فأسلم حمزة يومئذ فنزلت هذه الآية (وَكَذلِكَ) أي وكما جعلنا في مكة صناديدها رؤساء ليمكروا فيها (جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ) من سائر القرى (أَكابِرَ مُجْرِمِيها) و «أكابر» مفعول ثان و «مجرميها» مفعول أول والظرف لغو وهو متعلق بنفس الفعل قبله أي جعلنا في كل بدة فساقها عظماء (لِيَمْكُرُوا فِيها) أي ليفعلوا المكر فيها وهذا دليل على أن الخير والشر بإرادة الله ، وإنما جعل المجرمين أكابر لأنهم أقدر على الغدر والمكر وترويج الباطل على الناس من غيرهم ، وإنما حصل ذلك لأجل رئاستهم وذلك سنة الله أنه جعل في كل قرية أتباع الرسل ضعفاءهم وجعل فساقهم أكابرهم.
وقال مجاهد : جلس على كل طريق من طرق مكة أربعة نفر يصرفون الناس عن الإيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم ويقولون لكل من يقدم : هو كذاب ساحر كاهن ، فكان هذا مكرهم (وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ) أي وما يحيق شر مكرهم إلا بهم (وَما يَشْعُرُونَ) (١٢٣) بذلك أصلا بل يزعمون أنهم