ورثت امرأته كما ورثت ماله فصار أحق بها من سائر الناس ومن نفسها فإن شاء تزوّجها بغير صداق وإن شاء زوجها من إنسان آخر ، وأخذ صداقها ولم يعطها منه شيئا. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قرأ حمزة والكسائي «كرها» بضم الكاف هنا. وكذا في التوبة وفي الأحقاف. وقرأ عاصم وابن ذكوان عن ابن عامر في الأحقاف بالضم. والباقون بالفتح. وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بالفتح في جميع ذلك. قال الفراء : الكره بالفتح الإكراه ، وبالضم المشقة فما أكره عليه فهو كره بالفتح ، وما كان من قبل نفسه فهو كره بالضم (وَلا تَعْضُلُوهُنَ) أي وكذلك لا يحل لكم بعد التزويج بهن الحبس والتضييق (لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَ) من المهر (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ). وقرأ ابن كثير وأبو بكر عن عاصم بفتح الباء. والباقون بالكسر أي بينة القبح من النشوز وشكاسة الخلق وإيذاء الزوج وأهله بالبذاء والسلاطة ، ويدل عليه قراءة أبي بن كعب إلا أن يفحشن عليكم. والمعنى لا يحل لكم أن تضيقوا الأمر عليهن لعلة من العلل إلا لإتيانهن بالنشوز فإن السبب حينئذ يكون من جهتهن فقد عذرتم في طلب الخلع (وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) أي النصفة في المبيت والنفقة والإجمال في القول (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) (١٩) أي فإن كرهتم صحبتهن فأمسكوهن بالمعروف ولا تفارقوهن بمجرد كراهة النفس من غير أن يكون من قبلهن ما يوجب ذلك فقد قربت كراهتكم شيئا أي معهن مع كون الله جعل في صحبتهن خيرا كثيرا ، كحصول ولد فتنقلب الكراهة محبة. وكاستحقاق الثواب الجزيل في العقبى والثناء الجميل في الدنيا للإنفاق عليهن والإحسان إليهن على خلاف الطبع (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ) أي وإن أردتم تزوج امرأة ترغبون فيها بدل امرأة تنفرون عنها بأن أردتم أن تطلقوها (وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً) أي وقد أعطيتم إحدى الزوجات التي تريدون أن تطلقوها مالا كثيرا من الصداق (فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ) أي من ذلك القنطار (شَيْئاً) أي يسيرا. أي إن كان سوء العشرة من قبل الزوج كره له أن يأخذ شيئا من مهرها ، ثم إن وقعت المخالعة ملك الزوج بدل الخلع ، وإن كان من قبل المرأة فيحل أخذ بدل الخلع (أَتَأْخُذُونَهُ) أي المهر (بُهْتاناً) أي ظلما (وَإِثْماً مُبِيناً) (٢٠) أي حراما بينا أي إن أخذ المال طعن في ذاتها وأخذ لمالها فهو بهتان من وجه وظلم من وجه آخر فكان ذلك معصية عظيمة من أمهات الكبائر.
روي أن الرجل إذا مال إلى التزوج بامرأة أخرى رمى زوجة نفسه بالفاحشة حتى يلجئها إلى الافتداء منه بما أعطاها ليصرفه إلى تزوج المرأة التي يريدها (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ) أي ولأي وجه تأخذون المهر وقد اجتمعتم في لحاف واحد فإنها قد بذلت نفسها لك ، وجعلت ذاتها لذّتك وتمتعك. وحصلت الألفة التامة بينكما فكيف يليق بالعاقل أن