كانُوا مِنْ قَبْلُ) أي والحال أنهم كانوا من قبل بعثته صلىاللهعليهوسلم (لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (١٦٤) أو المعنى وما كانوا من قبل مجيء محمد والقرآن إلا في ضلال بيّن وذلك لأن دين العرب قبل ذلك كان أرذل الأديان ـ وهو عبادة الأوثان ـ وأخلاقهم أرذل الأخلاق ـ وهو الغارة والنهب ، والقتل وأكل الأطعمة الرديئة ـ ثم لما بعث الله سيدنا محمدا صلىاللهعليهوسلم إليهم انتقلوا ببركته من تلك الدرجة التي هي أخس الدرجات إلى أحسنها ، وصاروا أفضل الأمم في العلم والزهد والعبادة وعدم الالتفات إلى الدنيا وطيباتها ولا شك أن هذا أعظم المنة. (أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا) أي أقلتم متعجبين من أين أصابنا هذا ونحن ننصر الإسلام الذي هو دين الحق ومعنا الرسول وهم ينصرون دين الشرك بالله فكيف صاروا منصورين علينا وقد تقدم الوعد بالنصر حين أصابكم من المشركين نصف ما قد أصابهم منكم قبل. وذلك لأن المشركين قتلوا من المسلمين يوم أحد سبعين ، وقتل المسلمون منهم يوم بدر سبعين وأسروا سبعين. والأسير في حكم المقتول لأن الآسر يقتل أسيره إن أراد. (قُلْ هُوَ) أي حصول هذا الأمر (مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) أي بشؤم معصيتكم بترككم المركز وحرصكم على الغنيمة (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١٦٥) فإنه قادر على نصركم لو ثبتم وصبرتم كما هو قادر على التخلية بينكم وبين عدوكم إذا خالفتم وعصيتم (وَما أَصابَكُمْ) في أحد من القتل والجراحة (يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) جمع محمد وجمع أبي سفيان (فَبِإِذْنِ اللهِ) أي فهو بقضائه وإرادته (وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ) (١٦٦) (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ) أي وليظهر الله للناس الثابتين على الإيمان والذين أظهروا النفاق والامتناع من الجهاد مع وجود الطلب. وهم عبد الله بن أبي وأصحابه حيث رجعوا يوم أحد إلى المدينة قال لهم عبد الله بن جبير أو عبد الله بن عمرو بن حرام ـ والد جابر بن عبد الله الأنصاري ـ : أذكركم الله أن تخذلوا نبيكم وقومكم عند حضور العدو (تَعالَوْا) إلى أحد (قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُوا) أي كونوا إما من رجال الدين وإما من رجال الدنيا فإن كان في قلبكم حب الدين والإسلام فقاتلوا لهما في طاعة الله ، وإن لم تكونوا كذلك فقاتلوا دفعا عن أنفسكم وأهليكم وأموالكم وبلدكم. (قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً) أي لو نحسن قتالا ونقدر عليه (لَاتَّبَعْناكُمْ) إلى أحد (هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ) أي هم للكفر يوم إذ قالوا ما قالوا أقرب منهم للإيمان ، فإنهم كانوا قبل هذه الواقعة يظهرون الإيمان من أنفسهم وما ظهرت منهم أمارة تدل على كفرهم ، فلما رجعوا عن عسكر المسلمين تباعدوا بذلك عن أن يظن بهم كونهم مؤمنين وأيضا قولهم ذلك يدل على كفرهم لأنه إما على السخرية بالمسلمين ، وإما على عدم الوثوق بقول النبيّ صلىاللهعليهوسلم وكل واحد منهما كفر. (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) فإنهم أظهروا أمرين ليس في قلوبهم واحد منهما. أحدهما : عدم العلم بالقتال. والآخر : الاتباع على تقدير العلم به. وقد كذبوا فيهما فإنهم عالمون بالقتال غير ناوين للاتباع بل كانوا مصرين على الانخزال عازمين على الارتداد. (وَاللهُ