وهيهات ذلك (وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) أي ربما كان في علمه تعالى حصول بقائنا في هذه القرية من غير أن نعود إلى ملتكم بل الله يجعلكم مقهورين تحت أمرنا ذليلين خاضعين تحت حكمنا (عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا) أي في أن يثبتنا على ما نحن عليه من الإيمان (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِ) أي يا ربنا احكم بيننا بالعدل (وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ) (٨٩) أي الحاكمين. أو المعنى أظهر أمرنا حتى ينفتح ما بيننا وبينهم بأن تنزل عليهم عذابا يتميز به المحق من المبطل (وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) أي وقال الرؤساء من قوم شعيب للسفلة (لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً) في دينه (إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) (٩٠) في الدين وفي الدنيا لأنه يمنعكم من أخذ الزيادة من أموال الناس وعند هذا المقال كمل حالهم في الضلال والإضلال فاستحقوا الإهلاك (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) أي الزلزلة الشديدة المهلكة (فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) (٩١) أي فصاروا في مساكنهم خامدين ساكنين بلا حياة (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا) أي الذين كذبوا شعيبا استؤصلوا بالمرة وصاروا كأنهم لم يقيموا في قريتهم أصلا ، أي عوقبوا بقولهم : لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا وصاروا هم المخرجين من القرية إخراجا لا دخول بعده أبدا (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ) (٩٢) دينا ودنيا دون الذين اتبعوه فإنهم الرابحون في الدارين (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ) أي خرج شعيب من بينهم قبل الهلاك.
وقال الكلبي : ولم يعذب قوم نبي حتى أخرج من بينهم (وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي) بالأمر والنهي (وَنَصَحْتُ لَكُمْ) أي حذرتكم من عذاب الله ودعوتكم إلى الإيمان والتوبة ، وإنما اشتد حزنه على قومه لأنهم كانوا كثيرين ، وكان يتوقع منهم الاستجابة للإيمان فلما أن نزل بهم ذلك الهلاك العظيم بوجود علاماته كحبس الريح عنهم سبعة أيام حصل في قلبه الحزن من جهة القرابة والمجاورة وطول الألفة ، ثم عزى نفسه وقال : (فَكَيْفَ آسى) أي أحزن حزنا شديدا (عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ) (٩٣) لأنهم هم الذين أهلكوا أنفسهم بسبب إصرارهم على الكفر. وقيل : قال شعيب ذلك اعتذارا من عدم شدة حزنه عليهم. والمعنى لقد أعذرت إليكم في الإبلاغ والنصيحة مما حل بكم فلم تسمعوا قولي ولم تقبلوا نصيحتي فكيف آسى عليكم ، والمراد أنهم ليسوا مستحقين بأن يأسى الإنسان عليهم ، وقرأ يحيى بن وثاب فكيف آسى ، بإمالتين (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍ) فكذبه أهلها (إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها) أي عاقبناهم (بِالْبَأْساءِ) أي الشدة في أحوالهم كالخوف وضيق العيش (وَالضَّرَّاءِ) أي الأمراض والأوجاع (لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ) (٩٤) أي كي يتذللوا وينقادوا لله تعالى (ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ) أي ثم أعطيناهم السعة والصحة بدل ما كانوا فيه من البلاء والمرض لأن ورود النعمة في المال والبدن يدعو إلى الاشتغال بالشكر (حَتَّى عَفَوْا) أي كثروا في أنفسهم وأموالهم (وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ) كما أصابنا وهذه عادة الزمان في أهله فمرة يحصل فيهم الشدة والنكد ، ومرة يحصل لهم الرخاء والراحة