فيه خوارق العادات عندها (دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ) في مناجاته في جوف الليل (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً) أي رب أعطني من محض قدرتك من غير وسط معتاد ولدا مباركا تقيا صالحا كهبتك لحنة ـ العجوز العاقر ـ مريم (إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ) (٣٨) أي مجيب الدعاء (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ) أي جبريل كما أخرجه ابن جرير عن السدي (وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ) أي في الموضع العالي الشريف في المسجد (أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ) بولد يسمى (بِيَحْيى).
قرأ ابن عامر وحمزة «إن» بكسر الهمزة. والباقون بالفتح (مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ) أي بعيسى ابن مريم. ومعنى كونه كلمة من الله كونه مخلوقا بلا أب.
قال ابن عباس : إن يحيى كان أكبر سنا من عيسى بستة أشهر ، وكان يحيى أول من آمن وصدّق بأنه كلمة الله ، ثم قتل يحيى قبل رفع عيسى بمدة يسيرة (وَسَيِّداً) أي رئيسا للمؤمنين في العلم والحلم والعبادة والورع. قال ابن عباس : أي حليما عن الجهل. وقال مجاهد : أي كريما على الله (وَحَصُوراً) أي مانعا من النساء للعفة والزهد لا للعجز (وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) (٣٩) أي من المرسلين (قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ) أي قال زكريا لجبريل : يا سيدي من أين يكون لي ولد وقد أدركني كبر السن (وَامْرَأَتِي عاقِرٌ) أي عقيم لا تلد؟. قال ابن عباس : كان زكريا يوم بشّر بالولد ابن مائة وعشرين سنة وكانت امرأته إيشاع بنت فاقوذ بنت تسعين وثمان (قالَ) أي جبريل : (كَذلِكَ) أي الأمر كما قلت لك من خلق ولد منكما وأنتما على حالكما من الكبر (اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) (٤٠) من الأفاعيل الخارقة للعادة (قالَ) أي زكريا : (رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً) أي علامة في حبل امرأتي. (قالَ) أي الله تعالى : (آيَتُكَ) أي علامتك في حبل امرأتك (أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ) أي أن لا تقدر على تكليمهم من غير خرس (ثَلاثَةَ أَيَّامٍ) متوالية بلياليها (إِلَّا رَمْزاً) أي إلا تحريكا بالشفتين والحاجبين والعينين واليدين (وَاذْكُرْ رَبَّكَ) باللسان والقلب في مدة الحبسة عن كلام الدنيا مع الخلق شكر الله تعالى على هذه النعمة (كَثِيراً) أي ذكرا كثيرا على كل حال (وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ) (٤١) أي صل عشيا وغدو كما كنت تصلي (وَ) اذكر (إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ) أي جبريل لمريم مشافهة : (يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ) بتفرغك لعبادته وتخصيصك بأنواع اللطف والهداية ، والعصمة والكفاية في أمر المعيشة وسماع كلام جبريل شفاها (وَطَهَّرَكِ) من المعصية ومسيس الرجال ومن الأفعال الذميمة ومن مقالة اليهود وتهمتهم. ويقال : أنجاك من القتل (وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ) (٤٢) بولادة عيسى من غير أب ونطقه حال انفصاله من مريم حتى شهد ببراءتها عن التهمة.
روي أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «حسبك من نساء العالمين أربع : مريم ، وآسية امرأة فرعون ، وخديجة ،