يوجد منهم اهتداء ألبتة مدة التكليف (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ) أي البليغ لستر ذنوبهم بالحلم عنها إلى وقت آخر (ذُو الرَّحْمَةِ) بتأخير العقوبة عنهم (لَوْ يُؤاخِذُهُمْ) أي لو يريد الله مؤاخذتهم (بِما كَسَبُوا) من الذنوب (لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ) في الدنيا (بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ) أي وقت لهلاكهم (لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ) أي العذاب (مَوْئِلاً) (٥٨) أي مرجعا فمن يكون مرجعه العذاب فلا يوجد منه الخلاص (وَتِلْكَ الْقُرى) أي وأهل قرى عاد وثمود وأمثالهما (أَهْلَكْناهُمْ) في الدنيا (لَمَّا ظَلَمُوا) أي حين كفروا (وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً) (٥٩) أي وقتا معينا لا يتأخرون عنه.
وقرأ شعبة بفتح الميم واللام أي لهلاكهم ، وقرأ حفص بفتح الميم وكسر اللام أي لوقت هلاكهم ، والباقون بضم الميم وفتح اللام أي لإهلاكنا إياهم (وَإِذْ قالَ) أي واذكر حين قال (مُوسى لِفَتاهُ) يوشع بن نون بن أفرايم بن يوسف عليهالسلام ؛ وكان يوشع من أشراف بني إسرائيل ، وإنما سمي فتى موسى عليهالسلام لأنه كان يخدمه ، وكان موسى عليهالسلام وقع في قلبه أن ليس في الأرض أحد أعلم مني فقال الله : يا موسى إن لي في الأرض عبدا أعبد لي منك وأعلم وهو الخضر ، فقال موسى : يا رب دلني عليه ، فقال الله له : خذ سمكا مالحا وامض على شاطئ البحر حتى تلقى صخرة عندها عين الحياة فانضح على السمكة منها حتى تحيا السمكة فثم تلقى الخضر فأخذ حوتا ، فجعله في مكتل فقال لفتاه : إذا فقدت الحوت فأخبرني فذهبا يمشيان (لا أَبْرَحُ) أي لا أزال سائرا (حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ) أي ملتقى بحر فارس والروم مما يلي المشرق (أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً) (٦٠) أو أسير زمانا طويلا أتيقن معه فوات الطلب أو أسير ثمانين سنة (فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما) أي بلغا موضعا يجتمع فيه موسى وصاحبه الذي كان يقصده وهو الخضر (نَسِيا حُوتَهُما) أي نسيا خبر حوتهما وتفقد أمره وقد جعل فقدانه أمارة لوجدان المطلوب. (فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً) (٦١) أي فأدركته الحياة بسبب برد الماء الذي أصابه فتحرك في المكتل ، فخرج منه وسقط في البحر ، فاتخذ الحوت في البحر مسلكا كالسرب. قيل : إن الفتى كان يغسل السمكة لأنها كانت مملحة فطفرت وسارت (فَلَمَّا جاوَزا) أي موسى وفتاه مجمع البحرين ، وذهبا كثيرا ، وألقي على موسى الجوع (قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا) الذي بعد مجاوزة الصخرة (نَصَباً) (٦٢) أي تعبا.
قيل : إن موسى لم يتعب ولم يجع قبل ذلك (قالَ) أي فتاه : (أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ) أي أأبصرت حالنا إذ قمنا عند الصخرة (فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ) أي خبر الحوت (وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ) بدل اشتمال من الهاء أي وما أنساني ذكر أمر الحوت لك إلا الشيطان بوسوسته الشاغلة عن ذلك. وقرأ حفص بضم الهاء «من أنسانيه». (وَاتَّخَذَ) أي الحوت (سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً) (٦٣) أي اتخاذا عجبا وهو كون مسلكه كالسرب فلم يلتئم الماء وجمد ما تحت الحوت منه