كانَ مَسْؤُلاً) (٣٤) أي مسؤولا عنه فيسأل الناكث ويعاتب عليه يوم القيامة (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ) أي أتموه (إِذا كِلْتُمْ) لغيركم (وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ) أي بميزان العدل بحيث لا يميل إلى أحد الجانبين. (ذلِكَ) أي الوزن بالميزان المعتدل وإيفاء الكيل والعهد (خَيْرٌ) في الدنيا ، فإنه يوجب الذكر الجميل بين الناس (وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (٣٥) أي عاقبة في الآخرة فإنه يخلص من العقاب الشديد (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) أي لا تكن أيها الإنسان في اتباع ما لا علم لك به من قول أو فعل كمن يتبع مسلكا لا يدري أنه يوصله إلى مقصده. والمراد بالعلم هو الظن المستفاد من سند (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ) أي كل واحد من تلك الأعضاء (كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) (٣٦) أي كان كل واحد منها مسؤولا عن نفسه أي عما فعل به صاحبه ولا يبعد أن يخلق الله الحياة والعقل والنطق في هذه الأعضاء ، ثم إنه تعالى يوجه السؤال عليها وفي هذا دليل على أن العبد مؤاخذ بعزمه على المعصية.
روي عن شكل بن حميد قال : أتيت النبي صلىاللهعليهوسلم فقلت : يا نبي الله علمني تعويذا أتعوذ به فأخذ بيدي ثم قال : «قل أعوذ بك من شر سمعي وشر بصري وشر لساني وشر قلبي وشر منيي» (١) قال : فحفظتها (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) أي ذا شدة فرح أي لا تمش مشيا يدل على الكبرياء والعظمة (إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ) أي لن تنقبها بشدة وطأتك (وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً) (٣٧) أي لن يبلغ طولك الجبال. والمعنى تواضع ولا تتكبر فإنك خلق ضعيف من خلق الله فلا يليق بك التكبر (كُلُّ ذلِكَ) أي المذكور من الخصال الخمس والعشرين (كانَ سَيِّئُهُ) بضم الهمزة والهاء أي السيء منه وهي المنهيات الاثنا عشر (عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً) (٣٨) أي محرما مبغوضا فاعله معاقبا عليه.
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو «سيئة» بالتاء وبالنصب ، وهو خبر كان وعند ربك صفة لسيئة ومكروها خبر ثان لكان. والمعنى كل ما تقدم من المنهيات وهي اثنتا عشرة خصلة كان سيئة أي ذنبا (ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ) أي ذلك التكاليف الأربعة والعشرون نوعا بعض ما أوحى إليك ربك (مِنَ الْحِكْمَةِ) التي هي معرفة الحق لذاته ومعرفة الخير لأجل العمل به وهذا خبر ثان (وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً) يلومك نفسك وغيرها (مَدْحُوراً) (٣٩) أي مبعدا من رحمة الله تعالى (أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ) أي اختاركم ربكم فخصكم بالذكور (وَاتَّخَذَ) لنفسه (مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً) أي إن كفار مكة اعتقدوا أن أشرف الأولاد البنون : وأخسهم البنات ، ثم إنهم أثبتوا البنين لأنفسهم مع علمهم بنهاية نقصهم ، وأثبتوا البنات لله مع علمهم بأن الله هو الموصوف
__________________
(١) رواه النسائي في كتاب الاستعاذة ، باب : الاستعاذة من شر السمع والبصر.