قِرَدَةً خاسِئِينَ) (١٦٦) أذلاء بعداء عن الناس (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ) أي يذيقهم (سُوءَ الْعَذابِ) أي واذكر يا أكرم الرسل إذ أعلم الله أسلاف اليهود على ألسنة أنبيائهم إن لم يؤمنوا بأنبيائهم أن يسلط عليهم من يقاتلهم إلى أن يسلموا أو يعطوا الجزية وهو محمد صلىاللهعليهوسلم وأمته (إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ) إذا جاء وقته لمن عصاه فيعاقبهم في الدنيا أما قبل مجيء وقت العذاب فهو شديد الحلم (وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٦٧) لمن تاب من الكفر واليهودية ودخل في دين الإسلام (وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً) أي فرقنا اليهود الذين كانوا قبل زمن النّبيّ صلىاللهعليهوسلم في الأرض فرقا كثيرة حتى لا تكون لهم شوكة فلا يوجد بلد إلا وفيه طائفة منهم (مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ) وهم الذين آمنوا بالمدينة ومن يسير بسيرتهم أو الذين وراء نهر الرمل (وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ) أي ومنهم من ثبت على اليهودية وخرج من الصلاح (وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ) أي بالنعم والخصب والعافية (وَالسَّيِّئاتِ) أي بالجدوبة والشدائد (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (١٦٨) أي لكي يرجعوا عن معصيتهم إلى طاعة ربهم فإن كل واحد من الحسنات والسيئات يدعو إلى الطاعة بالترغيب والترهيب (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ) أي جاء من بعد هؤلاء الذين وصفناهم بدل سوء (وَرِثُوا الْكِتابَ) أي أخذوا التوراة من أسلافهم (يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى) أي متاع الدنيا على تحريف الكلام في صفة محمد صلىاللهعليهوسلم وفي الأحكام وهم يستحقرون ذلك الذنب (وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ) أي ويقولون : لا يؤاخذنا الله تعالى وإن يأتهم متاع مثل ما أتاهم أمس يأخذوه لحرصهم على الدنيا ولا يستمتعون منه. أو المعنى أنهم يتمنون المغفرة من الله تعالى ، والحال أنهم مصرون على الذنب غير تائبين عنه (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) أي ألم يؤخذ عليهم ميثاق كائن في التوراة أن لا يقولوا على الله إلا الصدق ، وقد منعوا فيها عن تحريف الكتاب وتغيير الشرائع لأجل أخذ الرشوة وللتمني ففيه افتراء على الله تعالى ، ففيها من ارتكب ذنبا عظيما فإنه لا يغفر له إلا بالتوبة وأن لا يقولوا عطف بيان للميثاق (وَدَرَسُوا ما فِيهِ) أي ذكروا ما في الكتاب لأنهم قرءوه أو ذكروا ما أخذ عليهم لذلك وهذا عطف على ورثوا أو على ألم يؤخذ فإن المقصود من الاستفهام التقريري إثبات ما بعد النفي. والمعنى قد أخذ عليهم الميثاق ودرسوا ما في ذلك الميثاق (وَالدَّارُ الْآخِرَةُ) أي الجنة (خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) عقاب الله من تلك الرشوة الخبيثة (أَفَلا تَعْقِلُونَ) (١٦٩) أن الدنيا فانية والآخرة باقية.
وقرأ نافع وابن عامر وحفص بالتاء على الخطاب التفاتا لهم ويكون المراد إعلاما بتناهي الغضب وتشديد التوبيخ ، أو يكون خطابا لهذه الأمة أي أفلا تعقلون حالهم. والباقون بالياء على الغيبة مراعاة لها في الضمائر السابقة (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ) قرأه أبو بكر عن عاصم بسكون الميم. والباقون بفتحها وتشديد السين (بِالْكِتابِ) أي والذين يعملون بما في الكتاب (وَأَقامُوا الصَّلاةَ) وإنما أفردت بالذكر لأنها أعظم العبادات بعد الإيمان (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) (١٧٠) وهذه