آمنتم به حين لا ينفعكم الإيمان (آلْآنَ) تؤمنون بالعذاب (وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ) أي بالعذاب (تَسْتَعْجِلُونَ) (٥١) أي تكذبون فإن استعجالهم كان على جهة التكذيب والإنكار (ثُمَّ قِيلَ) يوم القيامة على لسان ملائكة العذاب (لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) أي وضعوا الكفر والتكذيب موضع الإيمان والتصديق (ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ) أي العذاب المؤلم على الدوام (هَلْ تُجْزَوْنَ) في الآخرة (إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) (٥٢) في الدنيا من أصناف الكفر والمعاصي ، وهذا استثناء مفرغ والجار والمجرور مفعول ثان «لتجزون» والأول قائم مقام الفعل.
تنبيه : أين ما ذكر الله تعالى العذاب ذكر هذه العلة كأن سائلا يقول : يا رب العزة أنت الغني عن الكل فكيف يليق برحمتك هذا التشديد؟ فهو تعالى يقول : ما أنا عاملته بهذه المعاملة ابتداء بل هذا وصل إليه جزاء على عمله الباطل. (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ) أي يستخبرونك يا أشرف الخلق ـ والقائل حيي بن أخطب ـ لما قدم مكة بطريق الاستهزاء والإنكار : (أَحَقٌّ هُوَ) أي ما تعدنا من نزول العذاب علينا في الدنيا ، وما تعدنا من البعث والقيامة. (قُلْ) لهم في الجواب هذه الأمور الثلاثة غير ملتفت إلى استهزائهم : (إِي وَرَبِّي) فـ «إي» من حروف الجواب بمعنى «نعم» في القسم خاصة كما أن «هل» بمعنى «قد» في الاستفهام خاصة. (إِنَّهُ) أي العذاب الموعود (لَحَقٌ) أي لثابت (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) (٥٣) لمن وعدكم بالعذاب أن ينزله عليكم (وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ) وهو لا حق بكم بالشرك أو غيره من أنواع الظلم ولو مرة (ما فِي الْأَرْضِ) أي ما في الدنيا من الأموال (لَافْتَدَتْ بِهِ) أي لفادت بما في الدنيا نفسها من عذاب الله (وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ) أي أخفوا الندامة على ترك الإيمان حين عاينوا العذاب فلم يقدروا على أن ينطقوا بشيء لشدة الأهوال وفظاعة الحال (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) أي بين الظالمين بالشرك وغيره (بِالْقِسْطِ) أي بالعدل (وَهُمْ) أي الظالمون (لا يُظْلَمُونَ) (٥٤) فيما فعل بهم من العذاب (أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي ما وجد فيهما (أَلا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) أي إن جميع ما وعد الله به ثابت لا بد أن يقع ، ووعده تعالى مطابق للواقع (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٥٥) أي غافلون عن هذه الدلائل (هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ) في الدنيا (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٥٦) بعد الموت للجزاء (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) (٥٧) أي قد جاءكم كتاب فيه بيان ما ينفع المكلف وما يضره ودواء للقلوب وهدي إلى الحق ورحمة للمؤمنين بإنجائهم من الضلال إلى نور الإيمان وتخلصهم من دركات النيران إلى درجات الجنان. والحاصل أن الموعظة إشارة إلى تطهير الظاهر عمّا لا ينبغي وهو الشريعة ، والشفاء إشارة إلى تطهير الباطن عن العقائد الفاسدة ، والأخلاق الذميمة وهو الطريقة ، والهدي إشارة إلى ظهور نور الحق في قلوب الصديقين وهو الحقيقة والرحمة إشارة إلى بلوغ الكمال (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) أي فليفرحوا بتلك النعم لا من حيث هي بل من حيث إنها بفضل الله وبرحمة الله. قال الصديقون :