محمد صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ، فإن الأحوال التي حصلت لهم عند الجوع والخوف نوعان :
أحدهما : أنه لما فقدوا الطعام صاروا كأنهم يذوقون الجوع والخوف فأشبها الطعام.
وثانيهما : أن أثر الجوع والخوف لما اشتد صار كأنه أحاط بهم من كل الجهات فأشبه اللباس ، وقد ظهر أثرهما عليهم من الهزال وصفرة اللون ، ونهكة البدن ، وسوء الحال ، وكسوف البال. ويشبه أيضا أثر الخوف باللباس في الإحاطة واللزوم ، وأثر الجوع بالطعام المر البشع في الكراهة. (بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) (١١٢) من تكذيب النبي صلىاللهعليهوسلم وإخراجه من مكة والهمّ بقتله. فالله تعالى ابتلاهم بالجوع سبع سنين ، فقطع عنهم المطر وقطعت العرب عنهم الميرة بأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى أكلوا العظام المحرقة والجيف والكلاب الميتة والعلهز وهو وبر يخلط بالدم والقد وهو جلد الماعز الصغير حتى كان ينظر إلى السماء فيرى شبه الدخان من الجوع ، وأما خوفهم فهو لأن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يبعث إليهم السرايا فيغيرون على من حولهم من العرب فكان أهل مكة يخافونهم ، ثم إن رؤساء مكة أرسلوا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم أبا سفيان بن حرب في جماعة فقدموا المدينة عليه ، وقال له أبو سفيان : يا محمد إنك جئت تأمر بصلة الرحم والعفو وإن قومك قد هلكوا فادع الله لهم فدعا لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأذن للناس بحمل الطعام إليهم وهم بعد مشركون. وهذه الآية نزلت في المدينة ، لأن الله تعالى وصف القرية بصفات ست كانت هذه الصفات موجودة في أهل مكة فضربها الله مثلا لأهل المدينة يحذرهم أن يصنعوا مثل صنيعهم فيصيبهم مثل ما أصابهم من الجوع والخوف ، والنبي صلىاللهعليهوسلم لم يؤمر بالقتال وهو بمكة وإنما أمر بالقتال لما هاجر إلى المدينة ، فكان يبعث السرايا إلى حول مكة يخوفهم بذلك وهو بالمدينة. (وَلَقَدْ جاءَهُمْ) أي جاء أهل تلك القرية وهي مكة (رَسُولٌ مِنْهُمْ) أي من جنسهم يعرفونه بأصله ونسبه ، فأخبرهم بوجوب الشكر على النعمة ، وأنذرهم سوء عاقبة ما يأتون وما يذرون (فَكَذَّبُوهُ) في رسالته (فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ) بالجوع الذي كان بمكة (وَهُمْ ظالِمُونَ) (١١٣) أي والحال أنهم كافرون بتكذيب رسول الله (فَكُلُوا) يا معشر المسلمين (مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) أي من الغنائم (حَلالاً طَيِّباً) أي إنكم لما آمنتم وتركتم الكفر فكلوا الحلال الطيب ، وهو الغنيمة ، واتركوا الخبائث ، وهي الميتة والدم (وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ) أي واعرفوا حقها ولا تقابلوها بالكفران (إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (١١٤) أي تطيعون (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) فهذه الآية دالة على حصر المحرمات في هذه الأربع : فالمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع داخلة في الميتة ، وما ذبح على النصب داخل تحت قوله تعالى : (وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ). (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١١٥) أي فمن دعته ضرورة المخمصة إلى تناول شيء من ذلك غير ظالم على مضطر آخر ولا متجاوز