فأعثره الله على أهل الكهف فإنهم لما بعثوا أحدهم بورقهم إلى المدينة ليأتيهم برزق منها استنكر شخصه واستنكر ورقه ، لأنه ظهرت في بشرة وجهه آثار عجيبة تدل على أن مدته قد طالت طولا خارجا عن العادة ، لأن ورقه كان على ضرب دقيانوس فاتهموه بأنه وجد كنزا ، فذهبوا به إلى الملك وكان صالحا قد آمن هو ومن معه فلما نظر إليه قال : لعل هذا من الفتية الذين خرجوا على عهد دقيانوس الملك فقد كنت أدعو الله أن يرينيهم ، وسأل الفتى ، فأخبره بأنه ومن معه خرجوا فرارا من الملك دقيانوس فسّر الملك بذلك وقال لقومه : لعل الله قد بعث لكم آية فلنسر إلى الكهف معه ، فركب مع أهل المدينة إليهم فلما دنوا إلى الكهف قال تمليخا : أنا أدخل عليهم لئلا يرعبوا فدخل عليهم وأعلمهم بأن الأمة أمة مسلمة فخرجوا إلى الملك وعظموه وعظمهم ، ثم رجعوا إلى كهفهم ورجع من شك في بعث الأجساد فهذا معنى أعثرنا عليهم (لِيَعْلَمُوا) أي الذين أعثرناهم وهم الملك ورعيته على أحوالهم العجيبة (أَنَّ وَعْدَ اللهِ) بالبعث للروح والجثة معا (حَقٌ) أي صادق بطريق أن القادر على إنامتهم مدة طويلة وإبقائهم على حالهم بلا غذاء قادر على إحياء الموتى.
قال بعض العارفين : علامة اليقظة بعد النوم علامة البعث بعد الموت (وَأَنَّ السَّاعَةَ) أي وقت بعث الخلائق جميعا للحساب والجزاء (لا رَيْبَ فِيها) أي لا شك في قيامها (إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ) في صحة البعث وهذا ظرف لقوله تعالى : (أَعْثَرْنا) لا لقوله (لِيَعْلَمُوا) أي أعثرناهم عليهم حين يتنازعون بينهم أمرهم ليرتفع الخلاف ويتبين الحق (فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً) أي لما أعثرناهم عليهم فرأوا ما رأوا ، فعاد الفتية إلى كهفهم ، فأماتهم الله تعالى فقال بعضهم : ابنوا على باب كهفهم بنيانا لئلا يتطرق إليهم الناس ضنا بتربيتهم. (رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ) كأن المتنازعين لما رأوا عدم اهتدائهم إلى حقيقة حالهم من حيث النسب والاسم ، ومن حيث العدد ، ومن حيث اللبث في الكهف قالوا ذلك تفويضا للأمر إلى علام الغيوب (قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ) وهم الملك والمسلمون أو أولياء أصحاب الكهف أو رؤساء البلد (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً) (٢١) نعبد الله فيه ونستبقي آثارهم بسبب ذلك المسجد (سَيَقُولُونَ) أي يقول بعض المتنازعين لك يا أشرف الخلق ؛ وهم اليهود أو السيد وأصحابه؟ وهم اليعقوبية من نصارى نجران : هم (ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ) أي النصارى أو العاقب وأصحابه ؛ وهم النسطورية منهم : هم (خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ) أي ظنا بالغيب من غير دليل ولا برهان (وَيَقُولُونَ) أي المسلمون أو الملكانية من النصارى : هم (سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ) يا أشرف الخلق (رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) من النّاس وكان علي رضياللهعنه يقول : كانوا سبعة وأسماؤهم : تمليخا ، مكشليينا مشليتيا ، هؤلاء الثلاثة أصحاب يمين الملك وكان عن يساره مرنوش برنوش شاذنوش ، وكان الملك يستشير هؤلاء الستة في أمره ، والسابع الراعي