ألبتة ، ولا دفعت شيئا من عذاب الله عنهم حين جاءهم (وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ) (١٠١) أي وما زادت الأصنام عابديها غير إهلاك فإن الكفار كانوا يعتقدون في الأصنام أنها تعين على تحصيل المنافع ودفع المضار ، ثم زال عنهم بسبب ذلك الاعتقاد منافع الدنيا والآخرة ، وجلب إليهم مضار الدنيا والآخرة فكان ذلك من أعظم موجبات الخسران.
وقرئ «آلهتهم اللاتي» بالجمع ، و «يدعون» بالبناء للمجهول (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى) وقرأ عاصم والجحدري «إذ أخذ» بألف واحدة. (وَهِيَ ظالِمَةٌ) أي ومثل ذلك الأخذ المذكور أخذ ربك أهل القرى إذا أخذهم وهم ظالمون أنفسهم بالكفر أي إن كل من شارك أولئك المتقدمين في فعل ما لا ينبغي فلا بد وأن يشاركهم في ذلك الأخذ (إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (١٠٢) أي وجيع صعب على المأخوذ لا يرجى منه الخلاص (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي القصص السبعة (لَآيَةً) أي لموعظة (لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ) فينتفع بسماع هذه القصص ويعلم أن القادر على إنزال عذاب الدنيا قادر على إنزال عذاب الآخرة فإن في هذه القصص عذاب الدارين وقد حصل عذاب الدنيا (ذلِكَ) أي يوم الآخرة (يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ) أي يجمع في ذلك اليوم الأولون والآخرون للمحاسبة والجزاء (وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ) (١٠٣) أي يحضر فيه أهل السماء وأهل الأرض (وَما نُؤَخِّرُهُ) أي ذلك اليوم (إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ) (١٠٤) أي إلا لأجل انقضاء وقت محدود وهو مدة الدنيا (يَوْمَ يَأْتِ) أي حين يأتي ذلك اليوم المؤخر (لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ) أي الله تعالى في التكلم فالمأذون في الكلام هو الجوابات الصحيحة والممنوع عنه هو ذكر الأعذار الباطلة (فَمِنْهُمْ) أي من أهل الموقف (شَقِيٌ) أي من مات على الكفر وإن تقدم منه إيمان (وَسَعِيدٌ) (١٠٥) أي من مات على الإيمان وإن تقدم منه كفر. (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ) أي فمستقرون فيها (لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ) أي صوت شديد (وَشَهِيقٌ) (١٠٦) أي صوت ضعيف (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) وإلا في المعنى بمعنى واو العطف ، والاستثناء منقطع بقدر بلكن أو بسوى. فالمعنى دائمين في النار مثل دوام السموات والأرض منذ خلقت إلى أن تفنى ، وزيادة على هذه المدة وهي ما شاء مما لا نهاية له (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) (١٠٧) من غير اعتراض (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) أي مثل دوام السموات والأرض منذ خلقتا سوى ما شاء ربك زائدا على ذلك وهو لا منتهى له (عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) (١٠٨) أي غير مقطوع وعطاء نصب على المصدرية أي يعطيهم عطاء وهذا ظاهر في أنه ليس المراد من هذا الاستثناء كون هذه الحالة منقطعة وما ذكر من أن عذاب الكفار في جهنم دائم أبدا هو ما دلت عليه الآيات والأخبار ، وأطبق عليه جمهور الأمة سلفا وخلفا ولا ظلم على الله في ذلك لأن الكافر كان عازما على الكفر ما دام حيا فعوقب دائما فهو لم يعاقب بالدائم إلا على دائم فلم يكن عذابه إلا جزاء وفاقا.