المنافع القليلة المنقطعة ويعقبها العذاب الأليم (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ) بأن يلقي الشيطان في قلوبهم أنه ستطول أعمارهم وينالون من الدينا آمالهم ومقاصدهم ويقع في قلوبهم أن الدنيا دول فربما تيسرت لهم كما تيسرت لغيرهم ، وأيضا أن الشيطان يعدهم بأنه لا قيامة ولا جزاء فاجتهدوا في استيفاء اللذات الدنيوية (وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً) (١٢٠) وهو أن يظن الإنسان بالشيء أنه نافع ولذيذ ، ثم يتبين اشتماله على أعظم الآلام والمضار وجميع الدنيا كذلك (أُولئِكَ) أي أولياء الشيطان وهم الكفار (مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها) أي جهنم (مَحِيصاً) (١٢١) أي معدلا ومهربا (وَالَّذِينَ آمَنُوا) أي أقروا بالإيمان (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي الطاعات تصديقا لإقرارهم (سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) أي ماكثين في الجنة مكثا طويلا لا يخرجون منها (أَبَداً وَعْدَ اللهِ حَقًّا) أي وعدهم بذلك الإدخال وعدا لا خلف فيه وحق ذلك حقا.
فالأول : مؤكد لنفسه.
والثاني : مؤكد لغيره. (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً) (١٢٢) أي لا أحد أصدق من الله وعدا وهذا توكيد ثالث ، وفائدة هذه التوكيدات لمواعيد الشيطان الكاذبة وترغيب للعباد في تحصيل ما وعده الله (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ) أي ليس الثواب الذي تقدم الوعد به في قوله تعالى : (سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ بِأَمانِيِّكُمْ) يا معشر المؤمنين أن يغفر لكم وإن ارتكبتم الكبائر أي فإنكم تمنيتم أن لا تؤاخذوا بسوء بعد الإيمان ولا أماني اليهود والنصارى فإنهم قالوا : لن يدخل الجنة إلّا من كان هودا أو نصارى ، وقالوا : نحن أبناء الله وأحباؤه فلا يعذبنا ، وقالوا : لن تمسنا النار إلّا أياما معدودة وليس الأمر كذلك فإنه تعالى يخص بالعفو أو الرحمة من يشاء أي ليس يستحق ذلك الثواب بالأماني ، وأنّى يستحق بالإيمان والعمل الصالح. (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) فالمؤمن يجزى عند عدم التوبة إما في الدنيا بالمصيبة ، أو بعد الموت قبل دخول الجنة أو بإحباط ثواب طاعته بمقدار عقاب تلك المعصية ، والكافر يجزى في الدنيا بالمحن والبلاء وفي الآخرة دائما.
روي أنه لما نزلت هذه الآية؟ قال أبو بكر الصديق : كيف الصلاح بعد هذه الآية فقال صلىاللهعليهوسلم : «غفر الله لك يا أبا بكر ألست تمرض! أليس يصيبك الأذى ـ أي البلاء ـ والحزن؟!» قال : بلى ، يا رسول الله. قال : «فهو ما تجزون»(١). وعن عائشة رضياللهعنها أن رجلا قرأ هذه الآية فقال : أنجزى بكل ما نعمل لقد هلكنا فبلغ كلامه النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقال : «يجزى المؤمن في الدنيا بمصيبة في
__________________
(١) رواه أحمد في (م ١ / ص ١١).