ألف ألف ومائتي ألف ، فقد بورك فيهم كثيرا حتى بلغوا هذا العدد في مدة موسى مع أن بينه وبين يوسف أربعمائة سنة ، فخرج يوسف في أربعة آلاف من الجند لكل واحد منهم جبة من فضة وراية خز وقصب فتزينت الصحراء بهم واصطفوا صفوفا ، ولما صعد يعقوب ومعه أولاده وحفدته ونظر إلى الصحراء مملوءة بالفرسان مزينة بالألوان فنظر إليهم متعجبا فقال جبريل : انظر إلى الهواء فإن الملائكة قد حضرت سرورا بحالك ، وكانوا باكين محزونين مدة لأجلك ، وهاجت الفرسان بعضهم في بعض وصهلت الخيول ، وسبحت الملائكة ، وضرب بالطبول والبوقات ، فصار اليوم كأنه يوم القيامة ، وكان دخولهم في مصر يوم عاشوراء (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ) في محل ضرب فيه يوسف خيامه حين خرج من مصر لتلقي أبيه (آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ) أي ضم يوسف إليه أباه وخالته واعتنقهما فإن أمه ماتت في النفاس بأخيه بنيامين. فمعنى بنيامين بالعبرانية : ابن الوجع ولما ماتت أمه تزوج أبوه بخالته فإن الرابة تدعى أما. (وَقالَ) أي يوسف لجميع أهله : (ادْخُلُوا مِصْرَ) للإقامة بها (إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) (٩٩) على أنفسكم وأموالكم وأهليكم لا تخافون أحدا ، وكانوا فيما سلف يخافون ملوك مصر. (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ) أي لما نزلوا في مصر أجلس يوسف أباه وخالته معه في السرير الرفيع الذي كان يجلس عليه (وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً) أي وخروا الله سجدا شكرا لأجل يوسف واجتماعهم به وكان يوسف كالقبلة لهم كما سجدت الملائكة لآدم فإن الله أمر يعقوب بالسجود لحكمة خفية وذلك ، لأن إخوة يوسف ربما حملهم التكبر عن السجود على سبيل التواضع لا على سبيل العبادة ويوسف لم يكن راضيا بذلك السجود في قلبه لكن لما علم أن الله أمر يعقوب بذلك سكت ، ولأن يعقوب علم أنهم لو لم يفعلوا ذلك لظهر الفتر والأحقاد القديمة بعد كمونها ، فالسجود لزوال الاستعلاء والنفرة عن قلوبهم وذلك جائز في ذلك الزمان ، فلما جاءت هذه الشريعة نسخت هذه الفعلة. ويقال : كان سجودهم تحيتهم فيما بينهم كهيئة الركوع نحو فعل الأعاجم. (وَقالَ) أي يوسف : (يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ) أي هذا السجود تصديق رؤياي الكائنة من قبل المصائب التي وقعت فكأن يوسف يقول : يا أبت لا يليق بمثلك على جلالتك في العلم والدين والنبوة أن تسجد لولدك إلا أن هذا أمر أمرت به فإن رؤيا الأنبياء حق وذلك قوله تعالى حكاية عن قول يوسف : (قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا) وكأنه قيل ليعقوب : إنك كنت دائم الرغبة في وصال يوسف ، ودائم الحزن بسبب فراقه ، فإذا وجدته فاسجد له ، فكان الأمر بذلك السجود من تمام التشديد من الله تعالى على يعقوب عليهالسلام قال سلمان : كان بين رؤياه وتأويلها أربعون عاما (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي) أي وقد لطف بي محسنا إلي (إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ) إنما ذكر إخراجه من السجن ولم يذكر إخراجه من الجب لئلا تخجل إخوته ، ولأن خروجه من السجن كان سببا لصيرورته ملكا ولوصوله إلى أبيه وإخوته ولزوال التهمة عنه وكان ذلك من أعظم نعمه تعالى عليه (وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ) أي من البادية وكان يعقوب وأولاده أصحاب ماشية فسكنوا البادية.