بشرط أن لا يصطاده المحرم ولا يصطاد له والحجة فيه ما روى أبو داود في سننه عن جابر قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصطد لكم» (١) (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (٩٦) لا إلى غيره حتى يتوهم الخلاص من أخذه تعالى بالالتجاء إلى غيره فاخشوه تعالى في جميع المعاصي (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ) أي صيّر الله الكعبة سببا لحصول الخيرات في الدنيا والآخرة ، وخلق الدواعي في قلوب الناس لتعظيمها حتى صار أهل الدنيا يأتون إليها من كل فج عميق لأجل التجارة فصار ذلك لإسباغ النعم على أهل مكة ، وكان العرب يتقاتلون ويغيرون إلا في الحرم فكان أهل الحرم آمنين على أنفسهم وعلى أموالهم وجعل الله في الكعبة الطاعات الشريفة والمناسك العظيمة وهي سبب لحط الخطيئات ورفع الدرجات ، وكثرة الكرامات ، وصار أهل مكة بسبب الكعبة أهل الله وخاصته وسادة الخلق إلى يوم القيامة وكل أحد يعظمهم (وَالشَّهْرَ الْحَرامَ) أي وجعل الله الشهر الحرام سببا لقوام معيشتهم فإن العرب كان يقتل بعضهم بعضا في سائر الأشهر ، ويغير بعضهم على بعض فإذا دخل الشهر الحرام الذي هو ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب زال الخوف وقدروا على الأسفار والتجارات وصاروا آمنين على أنفسهم وأموالهم (وَالْهَدْيَ) أي وجعل الهدي سببا لقيام الناس ، وهو ما يهدى إلى البيت ويذبح هناك ويفرق لحمه على الفقراء فيكون ذلك نسكا للمهدي وقواما لمعيشة الفقراء. (وَالْقَلائِدَ) أي وجعل الله الأشخاص الذين يتقلدون بلحاء شجر الحرم سببا لأمنهم من العدو فإنهم كانوا إذا رأوا شخصا جعل في عنقه تلك القلادة عرفوا أنه راجع من الحرم فلا يتعرضون له (ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي ذلك التدبير اللطيف من الجعل المذكور لأجل أن تتفكروا فيه أنه تدبير لطيف فتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ، فإن جعل ذلك لأجل جلب المصالح لكم ودفع المضار عنكم قبل الوقوع دليل على علمه بما هو في الوجود وما هو كائن ، ثم إذا عرفتم أن علمه تعالى صفة قديمة واجبة الوجود فوجب كونه متعلقا بجميع المعلومات فلذلك قال تعالى : (وَأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (٩٧) فلا يخرج شيء عن علمه المحيط (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) لما ذكر الله تعالى أنواع الرحمة ذكر بعده شدة عذابه تعالى لأن الإيمان لا يتم إلا بالرجاء والخوف كما قال صلىاللهعليهوسلم : «لو وزن خوف المؤمن ورجاؤه لاعتدلا» (٢) ثم ذكر عقبه ما يدل على الرحمة دلالة على أنها أغلب فقال
__________________
(١) رواه أبو داود في كتاب المناسك ، باب : لحم الصيد للمحرم ، والترمذي في كتاب الحج ، باب : ٢٥ ، والنسائي في كتاب المناسك ، باب : إذا أشار المحرم إلى الصيد فقتله الحلال ، وأحمد في (م ٣ / ص ٣٦٢).
(٢) رواه السيوطي في الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة (١٣٣).