وقرأ أبو عمرو بالنصب مع الواو عطفا على «يصبحوا» لا على «يأتي» لأن ذلك القول إنما يصدر عن المؤمنين عند ظهور ندامة المنافقين لا عند إتيان الفتح فقط. والمعنى يقول المؤمنون مخاطبين لليهود مشيرين إلى المنافقين الذين كانوا يولونهم ويرجون دولتهم عند مشاهدتهم لانعكاس رجائهم تعريضا بالمخاطبين (أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) أي غاية أيمانهم (إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ) بالمعونة فإن المنافقين حلفوا لليهود بالمعاضدة كما حكى الله تعالى عنهم بقوله : (وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ) أو المعنى يقول المؤمنون بعضهم لبعض مشيرين للمنافقين متعجبين من حالهم متبجحين بما منّ الله عليهم من إخلاص الإيمان عند مشاهدتهم لإظهارهم الميل إلى موالاة اليهود والنصارى أنهم كانوا يقسمون بالله جهد أيمانهم أنهم معنا في ديننا في السر ومن أنصارنا فالآن كيف صاروا موالين لأعدائنا محبين للاختلاط بهم والاعتضاد بهم ، وهذا أنسب لقراءة الرفع مع إثبات الواو على الاستئناف ، أما المعنى الأول فهو أنسب لقراءة النصب ولقراءة الرفع مع حذف الواو ، ولقراءة الرفع مع الواو بجعل عطف جملة على جملة والله أعلم. (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) أي بطل ما أظهروه من الإيمان وبطل كل خير عملوه لأجل أنهم الآن أظهروا موالاة اليهود والنصارى (فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ) (٥٣) في الدنيا والآخرة فاستحقوا اللعن في الدنيا والعقاب في الآخرة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ).
قرأ ابن عامر ونافع «يرتدد» بدالين من غير إدغام وهذا من الكائنات التي أخبر عنها القرآن قبل وقوعها. روي أنه ارتد عن الإسلام إحدى عشر فرقة ثلاثة في عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم :
الأولى : بنو مدلج ورئيسهم ذو الحمار ـ ويلقب بالأسود ـ كان له حمار يقول له : قف ، فيقف! وسر ، فيسير! وكانت نساء أصحابه يتعطرن بروث حماره وكان كاهنا ادعى النبوة. فكتب رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى معاذ بن جبل وإلى سادات اليمن وأمرهم بالنهوض إلى حراب الأسود ، فقتله فيروز الديلمي على فراشه. والثانية : بنو حنيفة باليمامة ورئيسهم مسيلمة الكذاب ادّعى النبوة في حياة رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلما توفي بعث أبو بكر خالد بن الوليد في جيش كبير وقتل على يد وحشي الذي قتل حمزة رضياللهعنه. والثالثة : بنو أسد ورئيسهم طليحة بن خويلد ادّعى النبوة فبعث أبو بكر خالدا فهزمهم وأفلت طليحة فهرب نحو الشام ، ثم أسلم أيام عمر وحسن إسلامه وسبع في عهد أبي بكر.
الأولى : فزارة قوم عيينة بن حصن.
والثانية : غطفان قوم قرة بن سلمة القشيري.
والثالثة : بنو سليم قوم الفجأة بن عبد ياليل.