النار ، فإنه مما يهيجهم على الشر مع أن عاقبة أمرهم مغيبة عنكم فعسى يهديهم الله إلى الإيمان. ويقال : إن يشأ ينجكم منهم ، وإن يشأ يسلطهم عليكم. (وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) (٥٤) أي موكولا إليك أمرهم فتقسرهم على الإيمان ، وإنما أرسلناك بشيرا ونذيرا فدارهم ومر أصحابك بالمداراة عليهم ، فإن اللين عند الدعوة يؤثر في القلب ، ويفيد حصول المقصود. (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي بأحوالهم فيختار منهم لنبوته وولايته من يشاء ممن يستحق ذلك وهو رد عليهم إذ قالوا : بعيد أن يكون يتيم أبي طالب نبيا ولا يجوز إطلاق يتيم على النبي صلىاللهعليهوسلم لإشعاره بالتحقير حتى أفتى بعض المالكية بقتل قائله كما في الشفاء (وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ) بالفضائل النفسانية لا بكثرة الأموال والأتباع وهذا إشارة إلى تفضيل رسول الله سيدنا محمد صلىاللهعليهوسلم (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) (٥٥) فيه ذكر فضل سيدنا محمد صلىاللهعليهوسلم وكونه خاتم النبيين وأمته خير الأمم ، وكون الأرض يرثها عباد الله الصالحون وهم محمد وأمته وهذا بيان أن تفضيل داود بإيتاء الزبور لا بإيتاء الملك والسلطنة ورد لقول اليهود لا نبي بعد موسى ولا كتاب بعد التوراة أي فإذا أعطى الله تعالى التوراة فلم يبعد أن يعطي داود زبورا وعيسى الإنجيل ، ومحمدا القرآن ، ولم يبعد أن يفضل محمدا على جميع الخلق فكيف تنكر اليهود ذلك وكفار قريش فضل محمد وإعطاءه القرآن؟! (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ) أي قل يا أشرف الخلق للكفار : ادعوا عند الشدة الذين عبدتم من دون الله كعيسى ومريم وعزير ، وطائفة من الملائكة ، وطائفة من الجن (فَلا يَمْلِكُونَ) أي لا يستطيعون (كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ) أي رفع الشدة عنكم (وَلا تَحْوِيلاً) (٥٦) للضر إلى غيركم (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ) أي الذين يتألهونهم (يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ) أي يحرص من هو أقرب إلى ربهم القربة بالطاعة إليه فأولئك مبتدأ وخبره يبتغون والذين عطف بيان والوسيلة مفعول ليبتغون وإلى ربهم متعلق بالوسيلة وأي موصولة بدل من فاعل يبتغون. وقيل : إن اسم الموصول خبر لاسم الإشارة ويبتغون حال من فاعل يدعون ، والمعنى أولئك المعبودون لهم يعبدون ربهم يطلبون بتلك العبادة القربة إلى ربهم والفضيلة عنده وهم أقرب إليه (وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ) بها (وَيَخافُونَ عَذابَهُ) بتركها كدأب سائر العباد فأين هم من كشف الضر! فكيف يكونون آلهة؟ (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً) (٥٧) أي يجب الحذر عنه (وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً) أي وما من قرية طائعة أهلها أو عاصية إلا وتهلك إما بالموت ، وإما بالعذاب. فالصالحة : يكون إهلاكها بالموت. والطالحة : يكون إهلاكها بالعذاب بنحو السيف. أو المعنى ما من قرية من قرى الكفار إلا وتخرب إما بالاستئصال بالكلية أو تعذب بعذاب شديد دون ذلك كقتل كبرائهم وتسليط المسلمين عليهم بالسبي واغتنام الأموال ، وأخذ الجزية وبفنون العقوبات الأخروية (كانَ ذلِكَ) أي الإهلاك والتعذيب (فِي الْكِتابِ) أي اللوح المحفوظ (مَسْطُوراً) (٥٨) أي مكتوبا وقد بين فيه أسباب ذلك ووقته.