الملك قال الساقي : لا تأكل أيها الملك فإن الخبز مسموم وقال الخباز : لا تشرب أيها الملك فإن الشراب مسموم ، فقال الملك للساقي : اشربه فشربه ، فلم يضره وقال الخباز : كل من الطعام فأبى فأطعم من ذلك الطعام دابة فهلكت فأمر بحبسهما فاتفق أنهما دخلا مع يوسف فلما دخل السجن جعل ينشر علمه ويقول : إني أعبر الأحلام (قالَ أَحَدُهُما) وهو صاحب شراب الملك (إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً) أي إني رأيت نفسي أعصر عنبا وأسقي الملك (وَقالَ الْآخَرُ) وهو الخباز (إِنِّي أَرانِي) أي رأيتني (أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ) أي أخبرنا بتفسير رؤيانا (إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (٣٦) أي من العالمين بتفسير الرؤيا ومن المحسنين إلى أهل السجن فيسليهم ويقول : اصبروا وأبشروا تؤجروا فقالوا : بارك الله فيك يا فتى ما أحسن وجهك وما أحسن خلقك لقد بورك لنا في جوارك فمن أنت يا فتى؟ فقال : أنا يوسف ابن صفي الله يعقوب ابن ذبيح الله إسحاق ابن خليل الله إبراهيم. فقال له : صاحب السجن يا فتى والله لو استطعت خليت سبيلك ولكني أحسن جوارك واختر أي بيوت السجن شئت ، أي إن الساقي قال لسيدنا يوسف : أيها العالم إني رأيت في المنام كأني في بستان وفيه شجرة عنب فيها ثلاثة أغصان وعليها ثلاثة عناقيد من العنب فجنيتها وكأن كأس الملك في يدي فعصرتها وسقيت الملك فشربه. وقال الخباز : إني رأيت في المنام كأني أخرج من مطبخ الملك وعلى رأسي ثلاث سلال من الخبز فوقع طير على أعلاها وأكل منها ولما قصا عليه الرؤيا كره أن يعبرها لهما حين سألاه لما علم ما فيها من المكروه لأحدهما فأعرض عن سؤالهما وأخذ في غيره من إظهار المعجزة والنبوة والدعاء إلى التوحيد لأنه علم أن أحدهما هالك فأراد أن يدخله في الإسلام فبدأ بإظهار المعجزة لهذا السبب (قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ) أي لا يأتيكما طعام ترزقانه في منزلكما على حسب عادتكما المطردة إلا أخبرتكما بعاقبته فهو يفيد الصحة أو السقم وبلونه وجنسه (قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما) وكيف لا أعلم تعبير رؤياكما وهذا راجع إلى أن يوسف ادعى الإخبار عن الغيب وهو يجري مجرى قول عيسى : وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم (ذلِكُما) أي هذا التأويل والإخبار بالمغيبات (مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) بالوحي والإلهام لا على جهة الكهانة والنجوم (إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) (٣٧) أي إني امتنعت عن دين قوم لا يؤمنون بالله وبالبعث بعد الموت (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) وإنما قال يوسف : ذلك ترغيبا لصاحبيه في الإيمان والتوحيد وتنفيرا لهما عمّا كانا عليه من الشرك والضلال. (ما كانَ) أي لا يصح (لَنا) معاشر الأنبياء (أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ) أي أيّ شيء كان من ملك أو جني أو إنسي فضلا عن أن نشرك به صنما لا يسمع ولا يبصر (ذلِكَ) أي التوحيد الذي هو ترك الإشراك (مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا) بالوحي (وَعَلَى النَّاسِ) بإرسالنا إليهم (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) (٣٨) أي لا يوحدون الله تعالى (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ) أي يا