الحرام وكرر الله تعالى أمر التولي لشطر المسجد الحرام ثلاث مرات لتأكيد أمر القبلة ، لأن النسخ من مظان الفتنة والشبهة مع أنه تعالى علّق بكل آية فائدة أما في الآية الأولى فبين أن أهل الكتاب يعلمون أن أمر نبوة محمد وأمر هذه القبلة حق لأنهم شاهدوا ذلك في التوراة والإنجيل ، وأما في الآية الثانية فبين أنه تعالى يشهد أن ذلك حق وشهادة الله بكونه حقا مغايرا لعلم أهل الكتاب بكونه حقا ، وأما في الآية الثالثة فبين أنه تعالى قطع حجة اليهود والمشركين ، وذلك قوله تعالى : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ) أي اليهود والمشركين (عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ) أي مجادلة في التولي. والمعنى أن التولية عن الصخرة تدفع احتجاج اليهود بأن محمدا يجحد ديننا ويتبع قبلتنا ، وذلك مدفوع بأن المنعوت في التوراة قبلته صلىاللهعليهوسلم الكعبة وتدفع احتجاج المشركين بأنه صلىاللهعليهوسلم يدّعي ملة إبراهيم ويخالف قبلته (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) أي إلا المعاندين منهم فإنهم يقولون ما تحول إلى الكعبة إلا ميلا إلى دين قومه وحبا لبلده (فَلا تَخْشَوْهُمْ) أي فلا تخافوا مطاعنتهم في قبلتكم فإنهم لا يضرونكم (وَاخْشَوْنِي) أي احذروا عقابي فلا تخالفوا أمري (وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ) بالقبلة كما أتممت عليكم بالدين (وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (١٥٠) إلى الحق (كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ) أي من نسبكم وهو محمد صلىاللهعليهوسلم وهذا إما متعلق بما قبله أي ولأتم نعمتي عليكم في أمر القبلة كما أتممتها عليكم في الدنيا بإرسال الرسول. وإما متعلق بما بعده أي كما ذكرتكم بالإرسال فاذكروني (يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا) أي يقرأ عليكم القرآن بالأمر والنهي (وَيُزَكِّيكُمْ) أي يطهركم من الذنوب بالتوحيد والصدقة (وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ) أي معاني القرآن (وَالْحِكْمَةَ) أي السنة (وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) (١٥١) أي يعلمكم أخبار الأمم الماضية وقصص الأنبياء وأخبار الحوادث المستقبلة (فَاذْكُرُونِي) باللسان والقلب والجوارح فالصلاة مشتملة على الثلاثة.
فالأول : كالتسبيح والتكبير. والثاني : كالخشوع وتدبر القراءة. والثالث : كالركوع والسجود. (أَذْكُرْكُمْ) بالإحسان والرحمة والنعمة في الدنيا والآخرة (وَاشْكُرُوا لِي) نعمتي بالطاعة (وَلا تَكْفُرُونِ) (١٥٢) أي لا تتركوا شكرها (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا) على تمحيص الذنوب (بِالصَّبْرِ) على أداء فرائض الله وترك المعاصي وعلى المرازي (وَالصَّلاةِ) أي بكثرة صلاة التطوع في الليل والنهار (إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (١٥٣) بالنصر (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ) كسائر الأموات (بَلْ أَحْياءٌ) أي بل هم كإحياء أهل الجنة في الجنة يرزقون من التحف (وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ) (١٥٤) بحياتهم وحالهم.
قال ابن عباس : نزلت الآية في قتلى بدر وقتل من المسلمين يومئذ أربعة عشر رجلا : ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار. فالمهاجرون : عبيدة بن الحرث بن عبد المطلب وعمرو بن أبي وقاص ، وذو الشمالين ، وعمرو بن نفيلة ، وعامر بن بكر ، ومهجع بن عبد الله. والأنصار : سعيد بن خيثمة ، وقيس بن عبد المنذر ، وزيد بن الحرث ، وتميم بن الهمام ، ورافع بن