يقدرون على حيلة الخروج ولا نفقة أو كان بهم مرض ، أو كانوا تحت قهر قاهر يمنعهم من تلك المهاجرة (وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) (٩٨) أي لا يعرفون طريقا ولا يجدون من يدلهم على الطريق. كعياش بن أبي ربيعة بن هشام ، وسيدنا عبد الله بن عباس وأمه ـ اسمها لبابة ـ كما قال : كنت أنا وأمي ممن عفا الله عنه بهذه الآية (فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ) وذكر العفو بكلمة «عسى» لا بالكلمة الدالة على القطع ، لأن الإنسان لشدة نفرته عن مفارقة الوطن ربما ظن نفسه عاجزا عنها ، مع أنه لا يكون كذلك في الحقيقة فكانت الحاجة إلى العفو شديدة في هذا المقام (وَكانَ اللهُ عَفُوًّا) لما كان منهم (غَفُوراً) (٩٩) لمن تاب منهم (وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً) في المعيشة أي ومن يهاجر في طاعة الله إلى بلد آخر يجد في أرض ذلك البلد من الخير والنعمة ما يكون سببا لرغم أنف أعدائه الذين كانوا معه في بلدته الأصلية ، وذلك لأن من ذهب إلى بلدة أجنبية فإذا استقام أمره في تلك البلدة ووصل ذلك الخبر إلى أهل بلدته خجلوا من سوء معاملتهم معه ورغمت أنوفهم بسبب ذلك (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ) أي إلى موضع أمر الله ورسوله (ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ) قبل أن يصل لي المقصد وإن كان خارج بابه (فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ) أي فقد وجب أجر هجرته عند الله بإيجابه على نفسه بحكم الوعد والتفضل والكرم ، لا بحكم الاستحقاق الذي لو لم يفعل لخرج عن الإلهية (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) لما كان منه من القعود إلى وقت الخروج (رَحِيماً) (١٠٠) بإكمال أجر الهجرة ، فكذلك كل من قصد فعل طاعة ولم يقدر على إتمامها كتب الله له ثوابها كاملا.
روي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما نزل عليه قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) إلى آخر الآيات. بعث بها إلى مكة فتليت على المسلمين الذين كانوا فيها إذ ذاك فسمعها رجل من بني ليث ـ شيخ مريض كبير يقال له : جندع بن ضمرة ـ فقال لبنيه : احملوني فإني لست من المستضعفين وإني لأهتدي الطريق والله لا أبيت الليلة بمكة فحملوه على سرير متوجها إلى المدينة فلما بلغ التنعيم أشرف على الموت فصفق بيمينه على شماله ، ثم قال : اللهم هذه لك وهذه لرسولك أبايعك على ما بايعك عليه رسولك فمات ، فبلغ خبره أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالوا : توفى بالمدينة لكان أتم أجرا ، وضحك المشركون وقالوا : ما أدرك ما طلب فأنزل الله تعالى قوله : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ) الآية. قالوا : كل هجرة في غرض ديني من طلب علم أو حج أو جهاد أو نحو ذلك فهي هجرة إلى الله تعالى وإلى رسوله صلىاللهعليهوسلم (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) أي إذا سافرتم ـ أيّ مسافرة كانت ـ فليس عليكم مأثم في أن تردوا الصلاة من أربع ركعات إلى ركعتين إذا كان السفر طويلا لغير معصية. وهو عند الشافعي ومالك أربعة برد وهي مرحلتان ، وعند أبي حنيفة ثلاثة أيام بلياليهن.
وروي عن عمر أنه قال : يقصر في يوم تام وبه قال الزهريّ والأوزاعي وقال أنس بن مالك :