عليه المتسالم فيه بينهم وبين المجتهدين يقضي بأن لا شبهة مع وجود المرجّح في أحد المتعارضين وعدمه في المتعارض الآخر ، فيكون الأوّل من الأمر البيّن رشده الّذي يجب اتّباعه والثاني من الأمر البيّن غيّه الّذي يجب اجتنابه.
الثاني : منع دلالة قوله عليهالسلام : « يردّ علمه إلى الله » على وجوب الاحتياط في الأمر المشكل حسبما يدّعيه المستدلّ.
أمّا أوّلا : فلأنّ تفكيك الإمام عليهالسلام بين الأمر البيّن غيّه والأمر المشكل بالأمر بالاجتناب في الأوّل والردّ إلى الله في الثاني ، يدلّ على أن ليس مبنى الأمر المشكل على وجوب الاجتناب في العمل وإلاّ لم يتغيّر الاسلوب ، بل على وجوب الوقف في الحكم إفتاء وقضاء.
وأمّا ثانيا : فلأنّ قوله : « يردّ علمه إلى الله » معناه : إحالة العلم بحكم الواقعة عند الجهل به إلى الله تعالى ، على حدّ ما هو متعارف بين المتورّعين عند مسألتهم عمّا لا يعلمونه من قولهم في الجواب : الله يعلم ، فأقصى ما يفيده حينئذ إنّما هو وجوب الاجتناب عن الإفتاء لا غير.
ونجيب عن التقرير الثاني أوّلا : بالنقض بالشبهة الموضوعيّة الّتي يبنى فيها الخصم على البراءة ، مع ما ورد فيها من عموم « القرعة لكلّ أمر مشكل (١) ». فكما أنّه يدفع الإشكال عنها بالأصل وبقوله عليهالسلام : « كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتّى تعرف الحرام بعينه (٢) » فكذلك نحن ندفع الاشتباه عن الشبهة الحكميّة التحريميّة بالأصل ، وبنحو قوله عليهالسلام : « كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي (٣) ».
وإن قال : إنّ الشبهة ظاهرة في اشتباه حكم الواقعة بالخصوص وهو لا يرتفع بالأصل.
قلنا : بمثله في الشبهة الموضوعيّة ، فإنّ الإشكال ظاهر في الإشكال في حكم الواقعة بالخصوص وهو لا يندفع بالأصل.
وإن قال : إنّ الشبهات الموضوعيّة خرجت عن عمومات القرعة بالدليل وهو الرواية المشار إليها ونحوها.
قلنا : بمثله فيما نحن فيه ، فإنّ الشبهات الحكميّة خرجت عن عموم من « أخذ بالشبهات ارتكب المحرّمات » بالدليل وهو الخبر المشار إليه ونحوه.
__________________
(١) لم نعثر على رواية بهذا اللفظ ، بل وردت بألفاظ مختلفة فانظر الوسائل ١٧ : ٥٩٢ الباب ٤ من أبواب ميراث الغرقى ، والوسائل ١٨ : ١٨٧ الباب ١٢ من أبواب كيفيّة الحكم ، وغيرها.
(٢) الوسائل ١٢ : ٥٩ الباب ٤ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث الأوّل.
(٣) الفقيه ١ : ٣١٧ ، ح ٩٣٧.