نعم البحث في جريان الاستصحاب في ظهورات الألفاظ وعدمه بحث في المسألة الاصوليّة ، غير أنّه ممّا لا تعلّق له بالبحث عن الاستصحاب فيما هو جار فيه.
ولقد عثرنا في كلام السيّد الطباطبائي في رسالته الاستصحابيّة على دعوى الإجماع على كون المسألة في بحث الاستصحاب اصوليّة ، ولم نتحقّق معنى هذا الإجماع مع تطرّق المنع إلى أصل انعقاده ، إلاّ أن يراد منه الإجماع على تدوينها في علم الاصول ، وهذا كما ترى لا يلازم مطلوبه. وكيف كان فلا ينبغي الاصغاء إلى هذه الدعوى مضافا إلى بطلان أصل المدّعى.
الأمر الثالث : في تحرير محلّ النزاع واعلم أنّه يحرّر من جهات :
منها : ما ظهر في الجملة من تضاعيف كلماتنا السابقة من أنّ الاستصحاب قد يتكلّم فيه من حيث العقل وقد يتكلّم فيه من حيث النقل ، ونتيجته على الأوّل عند قائليه حكم واقعي ظنّي ومدار اعتباره على الظنّ. وعلى هذه الطريقة بعد العامّة شيخ الطائفة (١) والسيّدان (٢) والفاضلان (٣) والشهيدان (٤) والمصنّف (٥) وغيرهم ، ولم نقف منهم على من اعتمد في هذا الباب على ما ورد فيه من الروايات المعتبرة المستفيضة عدا ما عن الشيخ في العدّة من انتصار القائل بحجّيّته تمسّكا بما روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآله من : « أنّ الشيطان ينفخ بين إليتي المصلّي ، فلا ينصرفنّ أحدكم إلاّ بعد أن تسمع صوتا أو تجد ريحا (٦) ».
وفي كلام بعض مشايخنا : « إنّ أوّل من تمسّك بهذه الأخبار فيما وجدته والد الشيخ البهائي فيما حكي عنه من العقد الطهماسبي (٧) وتبعه صاحب الذخيرة (٨) وشارح الدروس (٩) وشاع بين من تأخّر عنهم (١٠) غاية الشيوع.
نعم ربّما يظهر من الحلّي في السرائر (١١) الاعتماد على هذه الأخبار ، حيث عبّر عن استصحاب نجاسة الماء المتغيّر بعد زوال تغيّره من قبل نفسه بنقض اليقين باليقين ، وهذا يشعر بكونه مأخوذا من الأخبار (١٢).
__________________
(١) العدّة ٢ : ٧٥٨.
(٢) السيد المرتضى في الذريعة ٢ : ٨٢٩ ـ ٨٣٢ ، والسيد ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٤٨٦.
(٣) المحقق في المعارج : ٢٠٦ ـ ٢٠٨ ، والمعتبر ١ : ٣٢ والعلاّمة في مبادئ الوصول : ٢٥٠ و ٢٥١ ، وتهذيب الوصول : ١٠٥.
(٤) الشهيد الأوّل في الذكرى ١ : ٥٣ والقواعد والفوائد ١ : ١٣٢ والشهيد الثاني في تمهيد القواعد : ٢٧١.
(٥) المعالم : ٢٣٣ ـ ٢٣٤.
(٦) عوالي اللئالي ١ : ٣٨٠ ، الحديث الأوّل ، مع اختلاف في العبارة.
(٧) العقد الطهماسبي ( مخطوط ) : الورقة ٢٨.
(٨) الذخيرة : ٤٤ و ١١٥ ـ ١١٦.
(٩) مشارق الشموس : ٧٦ ـ ١٤١ ـ ١٤٢. (١٠) كما في الفصول : ٣٧٠ ، والقوانين ٢ : ٥٥.
(١١) السرائر ١ : ٦٢. (١٢) انظر فرائد الاصول ٣ : ١٤.